الواحد ، حيث رتّب وجوب التبيين على كون المخبر فاسقا ، ولو لم يجز قبول خبر العادل ، لما كان للترتيب على خبر الفاسق فائدة ، وتقريره أنّ تعليق وجوب التبيين على خبر الفاسق ، يقتضي انتفاء الوجوب عند انتفاء الفسق في المخبر ، وهو بكون المخبر عادلا ، وحينئذ فإمّا نقول بعدم قبول خبره ولو مع التبيين ، بمعنى كون التبيين لغوا في مورده ، فيلزم كون خبر العادل أسوأ حالا من خبر الفاسق ، وهو باطل ، مع أنّ التبيّن سبب لليقين بصدقه ، ولا معنى لعدم قبول الخبر المتيقّن الصدق. وإمّا نقول بوجوب قبول خبره بلا تبيّن ، فهو المطلوب ، وفيه أنّ الاستدلال مبني على القول بحجيّة مفهوم الوصف ، وتعليق الحكم عليه ، وهو ممنوع ، كما حقّق في محلّه.
نعم لو تمسّك بمفهوم الشرط ، بأن يقال : إنّ الآية نظير قولك : إن جاءك زيد سائلا فأعطه درهما ، فانّ مفهومه إن جاءك غير سائل فلا تعطه ، وفيه : أن الشرط هنا لبيان تحقّق الموضوع ، كقولك : إن رزقت ولدا فاختنه ، وهذه القضية الشرطية لا مفهوم لها إلّا أن يقال الموضوع هو النبأ ، والمعنى : النبأ إن جاء به الفاسق فتبيّنوا ، وإن جاء به غير الفاسق ، وهو العادل ، فلا تبيّنوا.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ
وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧) و (٨)﴾
ثمّ لمّا أخبر الوليد بقيام بني المصطلق لقتال المسلمين ، رأى جمع من الأصحاب تجهيز الجيش وإصابتهم ، وكانوا يتوقّعون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله يتّبع رأيهم ، فردعهم عن هذا التوقّع بقوله : ﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيّها المسلمون ﴿أَنَ﴾ محمدا الذي يكون ﴿فِيكُمْ﴾ ويعيش بينكم كأحدكم هو ﴿رَسُولَ اللهِ﴾ العالم بحقائق الأمور ، المحيط بجميع المصالح والمفاسد ، فلا تتوقعوا منه أن يتّبع آراءكم ويطيعكم في أهوائكم ، تنزيلا له عن شأنه ، وحسبانا أنّه كأحدكم ، جهلا بمقامه ، فانّه صلىاللهعليهوآله ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ ويتّبع آراءكم ﴿فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ وغالب الوقائع بالله ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ وابتليتم بالمفاسد ، ووقعتم في المهالك أو المشاقّ ، لجهلكم وقصور فهمكم وعقلكم ، ولا تتوهّموا أنّكم لكمال عقلكم وجودة أفهامكم وتنوّر أفكاركم ، اخترتم الايمان ، واحترزتم عن الكفر والفسق والعصيان ، وتستدلّون به على إصابة رأيكم في جميع الأمور ، وحسن أنظاركم في تشخيص المصالح ﴿وَلكِنَّ اللهَ﴾ برحمته ولطفه عليكم ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ﴾ بالله ورسوله ، ورغّبكم إليه ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ وحسّنه في ضمائركم بإقامة البراهين القاطعة ، وإراءة المعجزات الباهرة ، وتوفيقكم لقبوله ، وتنبيهكم على فوائده ﴿وَكَرَّهَ