مائة ذراع ، إذا أراد المؤمن الصعود عليه اتّضع له ، فاذا قعد عليه ارتفع إلى أصل حاله (١) . وقيل : إنّ المصفوفة بمعنى المزيّنة بالذهب والفضة والجواهر (٢) .
﴿وَزَوَّجْناهُمْ﴾ وقرنّاهم ﴿بِحُورٍ﴾ ونساء يحار الناظر في حسنهنّ ﴿عِينٍ﴾ واسعات الأحداق ، وفيه إظهار غاية اللطف بهم ، حيث نسب تزويجهم إلى نفسه ، وبيّن أنّه المتصدّي له ، ثمّ وصف أزواجهم بغاية الحسن ، فانّ أحسن الأعضاء الوجه ، وأحسن ما في الوجه العين ، وأحسن العيون العين الواسعة. قيل : إنّ سعة العين سبب كثرة الروح المصوّبة (٣) إليها (٤) .
فبيّن سبحانه إتمام النّعم على المتّقين ، فانّ أول ما يحتاج إليه المسكن ، ثمّ المأكول والمشروب ، ثمّ الفرش والبسط ، ثمّ الأزواج ، فذكر سبحانه جميعها على الترتيب ، ووصف كلّا منها بغاية الكمال.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ
عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١)﴾
ثمّ لمّا كان شفقة المؤمنين في الآخرة على الأولاد كشفقتهم في الدنيا عليهم ، طيّب سبحانه قلوب المؤمنين بأنّه يجمع بينهم في الجنّ بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بل إنّه عطف على قوله : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ وقيل : على قوله : ﴿بِحُورٍ عِينٍ﴾ والمعنى : وقرنّاهم بحور عين وبالذين آمنوا (٥)﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ﴾ ووافقتهم ﴿ذُرِّيَّتُهُمْ﴾ وأولادهم ﴿بِإِيمانٍ﴾ حكمي كما في غير المميز ، أو حقيقي كما في المميّز ، ولو كان قليلا وضعيفا ﴿أَلْحَقْنا بِهِمْ﴾ وجعلنا في درجتهم ﴿ذُرِّيَّتُهُمْ﴾ يتنعّمون بما يتنعمون به آباؤهم ﴿وَما أَلَتْناهُمْ﴾ وما أنقصنا بالحاق أولادهم بهم ﴿مِنْ﴾ ثواب ﴿عَمَلِهِمْ﴾ في الدنيا ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ قليل ، بأن أعطينا بعض مثوباتهم أبناءهم ، بل لا يكون رفعهم إلى درجة آبائهم إلّا بالاحسان والتفضّل عليهم ، لكون فطرتهم فطرة الاسلام ، والتفضّل عليهم تفضيل على والديهم.
روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « يرفع ذرية المؤمن في درجته ، وإن كانوا دونه ، لتقرّ بهم عينه » ثمّ تلا هذه الآية (٦) .
وروي أنّه سألت خديجة رسول الله صلىاللهعليهوآله عن ولدين لها ماتا في الجاهلية ، فقال صلىاللهعليهوآله : « هما في النار » فكرهت. فقال صلىاللهعليهوآله : « لو رأيت مكانهما لأبغضتهما » قالت : فالذي منك ؟ قال : « في الجنة ، إن
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ١٩١.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ١٩١.
(٣) في النسخة : المصبوبة.
(٤) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٤٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٥١.
(٦) تفسير الصافي ٥ : ٧٩ ، تفسير روح البيان ٩ : ١٩٢.