وَالْأَرْضِ﴾ تمهيدا لإثبات المعاد بقوله : ﴿وَإِلَى اللهِ﴾ القادر على كلّ شيء ﴿تُرْجَعُ﴾ وتردّ ﴿الْأُمُورُ﴾ كلّها من الأعمال الصالحة والطالحة ، فيجازيكم عليها ، فاستعدّوا للقائه باختيار الأعمال الصالحة وأحسنها عنده.
ثمّ استدلّ سبحانه على إعادة الخلق بإعادة كلّ من الليل والنهار إلى ما كانا عليه بعد إذهاب جزء من الليل وجعله من النهار وبالعكس بقوله : ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ﴾ بجعل ساعات منه جزءا من النهار حتى يصير خمس عشرة ساعة ﴿وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾ بجعل ساعات منه جزءا من الليل حتى يصير خمس عشرة ساعة ، ويعود كلّ منها إلى ما كان عليه قبل الادخال ، فمن كان قادرا على إذهاب ساعات من الليل حتّى يصير تسع ساعات ، ثمّ إعادة تلك الساعات الذاهبة حتّى يصير الليل مثل ما كان قبل وبالعكس ، قادر على إعادة خلق الانسان بعد صيرورته ترابا.
ثمّ بعد إحاطته سبحانه بالأعمال الجوارحية ، بيّن إحاطته بالأعمال الجوانحية بقوله : ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ﴾ ومحيط غاية الإحاطة ﴿بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ والمخفيّات في القلوب من العقائد الفاسدة ، والنيات السيئة ، والمكنونات القبيحة.
عن ابن عباس : اسم الله الأعظم في ستّ من أول سورة الحديد ، فإذا علّقت على المقاتل في الصفّ لم ينفذ إليه حديد (١) .
﴿آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا
بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٧) و (٨)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه دلائل توحيده وقدرته وعلمه ، وكونه مبدأ للخلق ومعادهم ، دعاهم إلى الايمان به وبرسوله بقوله : ﴿آمِنُوا﴾ أيّها الناس ﴿بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ عن صميم القلب ثمّ دعاهم إلى أهمّ الأعمال بقوله تعالى : ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ في سبيل الله ﴿مِمَّا﴾ أعطاكم الله من فضله ، و﴿جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ﴾ ونائبين عنه في التصرّف ﴿فِيهِ﴾ من غير أن تملكوه حقيقة ، فلا ينبغي أن يشقّ عليكم إنفاق ما هو في أيديكم بعنوان النيابة والوكالة عن مالكه الحقيقي ، كما لا يشقّ على أحد إنفاق مال الغير إذا أذن له فيه ، أو المراد جعلكم مستخلفين ممّن كان قبلكم ، حيث إنّ ما بأيديكم من الأموال كان لغيركم زمانا ، ثمّ انتقل إليكم بالإرث وغيره ، فإذا بخلتم به ينتقل منكم إلى غيركم ، كما انتقل من غيركم إليكم ، فلا يبقى
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٥٣.