الصلاة : إنّه يروى أنّ يهوديا من فصحاء اليهود جاء إلى عمر في أيّام خلافته ، فقال : أخبرني عن أخلاق رسولكم. فقال عمر : اطلبه من بلال ، فهو أعلم به منّي. ثمّ إنّ بلالا دلّه على فاطمة ، ثمّ فاطمة دلّته على عليّ عليهالسلام ، فلمّا سأل عليا عنه قال : « صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه » فقال الرجل : هذا لا يتيسّر لي. فقال علي عليهالسلام : « عجزت عن وصف متاع الدنيا ، وقد شهد الله على قلّته حيث قال : ﴿مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ﴾(١) فكيف أصف أخلاق النبي صلىاللهعليهوآله وقد شهد الله تعالى بأنّه عظيم حيث قال : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ » (٢) . فكأنّه قال : ينهى أشدّ الخلق عبودية عن العبودية ، وذلك عين الجهل والحمق (٣) .
وقيل : إنّ امية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة (٤) .
وعن القمي : كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة وأن يطاع الله ورسوله (٥) .
﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى *
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى * كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١١) و (١٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه غاية سفاهة هذا الطاغي بقوله : ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يا محمد ﴿إِنْ كانَ﴾ هذا الطاغي ثابتا ﴿عَلَى الْهُدى﴾ ودين الحقّ ، كما أنت عليه ﴿أَوْ أَمَرَ﴾ الناس ﴿بِالتَّقْوى﴾ والاحتراز عن الشرك كما تأمر ، أما كان خيرا له من الكفر بالله والنهي عن طاعته.
وقيل : إنّ الخطاب مع الكافر ، فانّه تعالى بعد خطاب النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ التفت إلى الكافر ، وقال : أ رأيت يا كافر إن كان النبيّ في صلاته على الهدى ، ودعاءه إلى الله أو أمر بالتقوى ، أتنهاه مع ذلك ؟ فجعل سبحانه نفسه كالحاكم الذي حضر عنده المدّعي والمدّعى عليه ، فخاطب هذا مرّة وهذا اخرى (٦) .
ثمّ خاطب نبيه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يا محمد ، وأخبرني ﴿إِنْ﴾ كان الكافر ﴿كَذَّبَ﴾ الدلائل التي ذكرنا مع كونها ظاهرة جلية عند كلّ عاقل ﴿وَتَوَلَّى﴾ وأعرض عن الصلاة التي هي أهم خدمات مولاه ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ﴾ بعقله ﴿بِأَنَّ اللهَ يَرى﴾ منه هذه القبائح ويجازيه عليها في الآخرة فيزجره علمه ذلك عن ارتكابها ؟
وقيل : إنّه خطاب مع الكافر ، والمراد : أ رأيت أيّها الكافر إن كان محمد كذب بآيات الله وتولّى عن
__________________
(١) النساء : ٤ / ٧٧.
(٢) القلم : ٦٨ / ٤.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ٢١.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٠ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٨٠ ..
(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٣٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٤٩.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ٢١.