في تفسير سورة العلق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت السورة المباركة المتضمّنة لبيان نعم الله على الانسان بخلقه في أحسن تقويم وأنّه مع ذلك يردّ إلى أسفل سافلين ، نظمت سورة العلق المتضمّنة لبيان خلقه من أخسّ الأشياء ، وترقّيه إلى أعلى الدرجات من العلم بالكتاب وتعليمه العلوم ، وطغيانه مع ذلك على الله العظيم ، فافتتحها بذكر الاسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ولمّا ذكر سبحانه في السورتين السابقتين منّته على رسوله ، ابتدأ السورة بذكر أعلى منّته عليه ، وهو رسالته وإنزال الوحى إليه بقوله : ﴿اقْرَأْ﴾ يا محمد ، ما يوحى إليك من كتاب ربّك ، روي أنّه صلىاللهعليهوآله قال : « كيف اقرأ ، وما أنا بقارئ ؟ » فكأنّه تعالى قال : اقرأ القرآن مفتتحا أو مستعينا (١)﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ وإنّما وصف سبحانه ذاته المقدّسة بالربوبية وأضافها إليه ليزول الفزع عنه ؛ لأنّه أول ما أنزل إليه. عن الباقر عليهالسلام قال : « إنّها أوّل سورة نزلت » (٢) .
وليرغّبه في طاعته ، فكأنّه تعالى قال : هو الذي ربّاك حين كنت علقا ، فكيف يضيّعك بعد ما صرت أشرف الموجودات.
ثمّ قيل : لمّا كانت العرب يطلقون الربّ على الصنم ، ويسمّون الأصنام أربابا (٣) ، وصف ذاته المقدّسة بما يخرجه عن توهّم الشركة ، وبما لا يمكنهم إنكاره وإثباته للأصنام بقوله : ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ كلّ شيء بقدرته ، لاعترافهم بأنّ الخلق مختض بالله وحده. وعن الباقر عليهالسلام : « الذي خلق نورك القديم قبل الأشياء » (٤) .
ثمّ خصّ سبحانه الانسان بالذكر لاستقلاله ببديع الصنع والتدبير ، أو بيّن ما أبهم في قوله : ﴿الَّذِي
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٤٢٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٤٨.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٧٢.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٤٣٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٤٨.