لِلْيُسْرى (٦) و (٨)﴾
ثمّ حثّ سبحانه خصوص النبي صلىاللهعليهوآله بذكر أكمل نعمه بقوله : ﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ يا محمد ، ونتلو عليك القرآن الذي فيه علوم الأولين والآخرين ، وما يكون وما هو كائن ، وجميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة ﴿فَلا تَنْسى﴾ شيئا منه أبدا ، بل هو باق في حفظك ، فلا تخف من نسيانه ﴿إِلَّا ما شاءَ اللهُ﴾ أن تنساه ، ولا يشاء ذلك أبدا ، وإنّما الفرض من الاستثناء إظهار أنّ بقاءه في حفظه لا يكون إلّا بمشيئته وفضله عليه لا بقدرة نفسه.
عن ابن عباس قال : كان النبي صلىاللهعليهوآله إذا نزل عليه الوحي يقرأه مخافة أن ينساه ، فكان لا يفرغ جبرئيل من آخر الوحي حتّى يتكلّم هو بأوله ، فلمّا نزلت هذه الآية لم يئس بعد ذلك شيئا (١) .
ثمّ أخبر سبحانه بأنّه مخيّر بين الجبر في القراءة وإخفاته بقوله : ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ إن جهرت بالقراءة ﴿وَ﴾ يعلم ﴿ما يَخْفى﴾ من قراءتك.
وقيل : إنّ المعنى أنّه عالم بجهرك في القراءة مع جبرائيل ، وعالم بالسرّ الذي في قلبك (٢) .
﴿وَنُيَسِّرُكَ﴾ ونوفّقك ﴿لِلْيُسْرى﴾ والطريقة الأسهل في حفظ القرآن ، أو للشريعة التي هي أسهل الشرائع. وعن ابن مسعود : اليسرى الجنّة ، والمعنى نيسّرك للعمل المؤدّي إليها (٣) .
﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي
يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٩) و (١٣)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه لطفه بنبيّه صلىاللهعليهوآله بنزول القرآن ، أمره بدعوة الخلق إليه بقوله : ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى﴾ والعظة فيهم ، والنّكتة في ذكر هذا الشرط مع وجوب العظة عليه نفعت أو لا تنفع ، حثّ الناس على الاتّعاظ ، وإن كان فيه فائدة إتمام الحجّة.
وقيل : إنّ فائدته تنبيه الرسول صلىاللهعليهوآله بأنّ الذكر لا ينفعهم ، كأنّه قال : ذكّرهم إن نفعت الذكرى ، ولا أرى أن تنفعهم (٤) .
ثمّ بيّن سبحانه المنتفعين بالعظة بقوله : ﴿سَيَذَّكَّرُ﴾ وينتفع البتة بذكرك وعظتك ﴿مَنْ يَخْشى﴾ الله والرجوع إليه بعد الموت ، وهو الذي لا يقطع بعدم البعث ، ولمّا كان القاطع غير معين يجب تعميم العظة.
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٧٢٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣١٧.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٤٢.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ١٤٣.
(٤) تفسير الرازي ٣١ : ١٤٤.