وأصالة البراءة عن الأُجرة بعد ظهور لفظ الإجارة في لزومها وعدم التبرّع غير كافية ، واشتراط الصراحة بلزوم الأُجرة لا يلائم ما ذكروه من لزومها بمجرّد انتصاب الأجير للعمل بالأجر ، كالسمسار والدلاّل ، بل الحكم بلزومها ثمّة يوجب الحكم به هنا بطريق أولى ، كما لا يخفى ، فإذاً الحكم بلزوم اجرة المثل هنا أولى.
ثمّ إنّ كلّ ذا مع جهلهما بالفساد ، وأمّا مع علمهما به فلا يستحق المؤجر شيئاً ؛ لأن علمه به يصيّر دفعه المنفعة في حكم التبرّع والبذل من دون عوض وأُجرة ، فيصير كالعاريّة.
ولا يجب على المستأجر دفع الأُجرة ، فلو دفعها مع العلم بالفساد كان بمنزلة الهبة ، له الرجوع فيها ما دامت العين باقية والمدفوع إليه غير رحم.
ولو اختصّ بالجهل كان له الرجوع مطلقا ولو كانت تالفة أو كان المدفوع إليه رحماً ، فإنّ الدفع هنا ليس بمنزلة الهبة ، بل في مقابلة العمل المتوهّم للجهل بالفساد لزوم المدفوع بسببه ، وحيث ظهر الفساد وعدم السببية كان له الرجوع بما دفعه ، والعمل لا يوجب شيئاً ؛ لعلم صاحبه بالفساد وكونه به متبرّعاً.
ولو انعكس فاختصّ الموجر بالجهل استحقّ اجرة المثل ، كما إذا شاركه الآخر في الجهل ، والعين مضمونة في يد المستأجر مطلقا ، كما نسب إلى المفهوم من كلمات الأصحاب (١) ؛ ولعلّه لعموم الخبر بضمان ما
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٥٠.