الخلاف الآتي في اللزوم وعدمه هو اشتراط القبول وعدمه ، مفرّعين على الأوّل القول باللزوم ، وعلى الثاني الجواز.
لكنه خلاف ما يظهر من الماتن هنا ، حيث حكم بلزوم القبول من دون تردّد ثم قال : ( وفي لزومها تردّد ) وهو أظهر ظاهر في اشتراط القبول على أيّ تقدير ، وأن التردّد إنما هو في لزومها وجوازها حتى مع اعتبار القبول فيها.
وهذا هو الذي يظهر من كلمات الجماعة كالمختلف وغيره (١) ، حيث حكى القول باللزوم عن الحلّي ، والجواز عن المبسوط والخلاف واختاره ، مستدلاًّ للأوّل بما مرّ ، مجيباً عنه بالقول بالموجب ، فإن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه ، فإنّ كان لازماً كان العمل بمقتضاه على سبيل اللزوم ، وإن كان جائزاً كان الوفاء به والعمل بمقتضاه على سبيل الجواز. وأيضاً : ليس المراد مطلق العقود ، وإلاّ لوجب الوفاء بالعقود الجائزة ، وهو باطل بالإجماع ، فلم يبق إلاّ العقود اللازمة والبحث وقع فيه.
وهو كما ترى ظاهر بل صريح في اتفاق القولين على كونها من العقود ، وإنما اختلفا في كونها من اللازمة منها أو الجائزة.
وحينئذٍ فالأجود الاستدلال على اعتبار القبول أن يقال : إن الوجه فيه ظاهر على القول باللزوم ، وكذا على القول بالجواز ، بناءً على أن لزوم العوض المبذول بعد العمل للسابق على المسبوق لا يتأتّى إلاّ على اعتبار قبوله ، إذ لولاه لأمكنه الامتناع من بذله بعد العمل مدّعياً عدم رضاه بالإيجاب ، ولعلّه خلاف الإجماع ، بل العوض لازم عليه بعد العمل
__________________
(١) المختلف : ٤٨٤ ؛ وانظر جامع المقاصد ٨ : ٣٢٥ ، والمسالك ١ : ٣٨١.