والعادة إن يشرط رد من جاءنا منهم عليهم وهو سائغ ، إلاّ في المرأة إذا جاءت مسلمة ، ومن لا يؤمن أن يفتن عن دينه إذا جاء مسلما لقلة عشيرته.
______________________________________________________
الرابع : إن أهل الذمة في قبضة الامام ولا يخشى الضرر كثيرا من نقضهم ، بخلاف أهل الهدنة ، كذا ذكروه ، ولعله لكون الجزية إنما يرضى ببذلها المشركون بعد كمال الضعف ، لأن الصبر على الصّغار ، وتحمل الإهانة ، وعدم ركوب الخيل ولبس السلاح ، ونحو ذلك ، وبذل مال الجزية غير معلوم المقدار أمر شديد لا يصبر عليه عن قوة يد.
فان قلت : قوله تعالى ( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (١) صالح لأهل الذمة أيضا.
قلنا : لما كان قبول الجزية من أهل الذمة واجبا ما بذلوه ، لقوله تعالى : ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ ) (٢) وجب أن لا يثبت جواز النقض هنا ، إلاّ بتحقق السبب.
قوله : ( والعادة أن يشترط ردّ من جاءنا منهم عليهم ).
إنما عبّر بالعادة ، لأنه قد وقع ذلك في فعله عليهالسلام في صلح الحديبية.
قوله : ( ومن لا يؤمن أن يفتن عن دينه إذا جاء مسلما لقلة عشيرته ).
لا بد من التقييد بضعفه أيضا ، ومثله من كثرت عشيرته ولا يدفعون عنه.
والذي ينبغي أن لا يراد بفتنه عن دينه : رجوعه عنه ، فإنه لو كان قويّ الايمان شديد البصيرة لا عشيرة له ولا يستطيع إظهار دينه لا يجوز رده ، بل يراد فتنة عن دينه ظاهرا ، فان بلاد الشرك لا يجوز الإقامة بها لمن لا يقدر على إظهار دينه ، فلا يجوز اشتراط إقامته. واعلم أن المراد بالعشيرة والرهط هنا واحد وهم : قرابته الأدنى والأبعد.
__________________
(١) الأنفال : ٥٨.
(٢) التوبة : ٢٩.