وبذلك ظهر روح الفرق بين الشيخ الأنصاري والمحقّق الخراساني فقد اختار الأوّل عدم جريان الأُصول بتاتاً ، وانّ العام لايشمل المتعارضين ، ولكن الثاني قال بالشمول ودخولهما تحت العموم ، لكنّهما يتساقطان ـ عند استلزام المخالفة العملية ـ بالتعارض.
يلاحظ عليه : أنّ العلم بالتكليف على قسمين تارة يكون في المورد علم وجداني ، ومن المعلوم انّ مثل هذا العلم لايقبل الترخيص في طرف واحد فضلاً عن الطرفين ، كما إذا علم بإسلام أحد الأخوين الكافرين ، فقد علم عندئذ بوجوب صيانة دم المسلم منهما ، على نحو لايقبل النقاش ومعه لايجوز استصحاب جواز قتلهما ، وأُخرى يكون في المورد إطلاق الدليل يعم المعلوم تفصيلاً وإجمالاً ، كإطلاق « اجتنب عن الخمر » الشامل للخمر المعلوم تفصيلاً وإجمالاً ، فمثل هذا التكليف المستفاد من الإطلاق قابل للتقييد بأن يخص الدليل بالخمر المعلوم تفصيلاً دون المعلوم إجمالاً ولايعد مثل ذلك ترخيصاً في المعصية بل تقييداً للموضوع.
وأمّا التفصيل الثالث ، أعني : التفصيل بين الأصل المحرز ، فلايجري في أطراف العلم دون سائر الأُصول والمراد من الأصل ، المحرز هو ما يكون المجعول فيها هو البناء العملي على ثبوت الواقع في أحد طرفي الشك كالاستصحاب ، وقاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة ، والمراد من غيرها ما يكون المجعول فيها هو مجرّد تطبيق العمل على أحد طرفي الشكّ من دون أن يكون البناء متكفّلاً لثبوت الواقع في أحد الطرفين كالبراءة والاحتياط وأصالة الحل والطهارة.
وجه التفصيل انّ التعبد ببقاء الواقع في كلّ واحد من أطراف العلم ينافي العلم الوجداني بعدم بقاء الواقع في أحدهما ، وهذا بخلاف الآخر ، فانّ المجعول