الثالث : الدليل على أصالة الصحّة بمعنى ترتيب الأثر الشرعيّ
استدلّ الفقهاء منهم المحقّق النراقي في عوائده (١) والشيخ الأعظم في الفرائد على حجّية أصالة الصحة بالمعنى الثاني بوجوه ، غير انّ الدليل الوحيد الذي يمكن أن يتمسّك به هو السيرة العقلائية على حمل فعل الغير على الصحة ، بل مطلق حمل الفعل الصادر عن الفاعل المختار على الصحّة ليعمّ فعل النفس وفعل الغير. والداعي إلى اتخاذ العقلاء هذا الأصل سنّة في الحياة ، هو ملاحظة طبع العمل الصادر عن إنسان مريد يعمل لغاية ، أعني : الانتفاع بعمله آجلاً وعاجلاً ، ومقتضى ذلك إيجاد العمل صحيحاً لافاسداً ، كاملاً لا ناقصاً ، وإلاّ يلزم نقض الغرض والفعل العبث.
وإن شئت قلت : كما أنّ الصحّة هي الأصل في الطبيعة دون المعيب فإذا بُشِّر أحد برزق الولد يتبادر الولد السويّ ، أو إذا باع دابّة معينة ، يحمل على الصحيح ، لأنّ الأصل في الطبيعة هو الصحّة والنقص أمر طارئ عليه ولايعدل عنه إلاّ بقرينة. هكذا الصحّة هي الأساس في فعل الإنسان فيحمل على الصحة ، وذلك لأنّ الأصل في الفعل الصادر من الفاعل المختار الهادف ، هو صحّة الفعل ، والفاسد أمر طارئ نابع من الغفلة.
هذا هو الأصل المحقّق بين العقلاء ، وعليه السيرة المتشرّعة بما هم عقلاء ، وعلى ضوئهم مشى الفقهاء في الأحكام الشرعية ، فانّك لاتجد بين القدامى من الفقهاء عنواناً لهذا الأصل : « أصالة الصحّة في فعل الغير » ، لكنّهم بما هم عقلاء تبعوا في أحكامهم الأصلَ الدارج بينهم ، وإليك سرد طائفة من الأحكام المبنيّة على الأصل المذكور :
__________________
١. عوائد الأيام : ٧٣.