وما ربّما يقال من أنّ المرجع في تشخيص وحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة هو العرف لا العقل ، لايفيد في المقام لأنّ العرف مهما تسامح أو تساهل لايرى المفهومين مفهوماً واحداً ، والعنوانين عنواناً فارداً ، فلذلك لو باع سلفاً العنبَ ودفع الزبيب عند حلول الأجل ، لم يف بواجبه وللمشتري الرد ، قائلاً بأنّ المبيع غير المقبوض.
الصورة الثانية : اتخاذ المصاديق الخارجية مصبّاً للاستصحاب ، وهذا النوع يتوقف على تحقّق أمرين :
أ : الدليل الاجتهادي.
ب : الأصل العملي.
والحاجة إلى الأوّل إنّما هو في فترة خاصّة وهو مادام الموضوع موصوفاً بالعنبية ، كما أنّ الحاجة إلى الأصل العملي بعد صيرورته زبيباً.
إذا عرفت ذلك ، فللمستنبط أن يستفيد من كلا الدليلين واحداً تلو الآخر ، فيقول : هذا عنب ، وكلّ عنب إذا غلى يحرم ، فهذا إذا غلى يحرم.
فتكون النتيجة انقلاب الموضوع من كونه عنباً إلى كونه هذا ، ولذلك قلنا في النتيجة : « هذا إذا غلى يحرم ».
وبعبارة أُخرى : انّ الموضوع في لسان الدليل ـ أي الكبرى ـ وإن كان هو العنب لكن بعد تطبيقه على الخارج ، يكون الموضوع للحرمة الجزئية هو هذا الموجود الخارجي الذي هو أمامنا ونشير إليه بهذا ، ونقول : « هذا إذا غلى يحرم ».
إلى هنا تمّت رسالة الدليل الأوّل ، وبعد تمامية الاستنتاج لانرجع إلى ذلك الدليل أبداً.