والتكليفي منتزع ، فهو ليس بصحيح على إطلاقه ، إذ ربّما يكون الكلام ظاهراً في جعل الحكم التكليفي دون الوضعي ، كما في قوله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْل ) ، فالآية ظاهرة في جعل الوجوب للصلاة لدى دلوك الشمس.
وإن أراد انّ الجعل ربما يتعلّق بالوضع ويكون التكليف تابعاً له ، فهو صحيح كما مثلنا في إنشاء الزوجية والحريّة.
وأمّا القول الثالث : فقد قسّم الوضعي إلى أقسام ثلاثة :
القسم الأول : مالا تناله يد الجعل التشريعي لاتبعاً التكليفي ) ولا استقلالاً :
وحاصل كلامه في هذا القسم : انّ الحكم الوضعي ، لامنتزع من الحكم التكليفي ولامجعول بالاستقلال ، وهكذا كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية لما هو سبب التكليف وشرطه أو مانعه ورافعه ، حيث إنّه لايكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها ذاتاً ، حدوثاً وارتفاعاً.
كما أنّ اتصافها بها ليس إلاّ لأجل ما عليها من الخصوصية المستدعية لذلك تكويناً ، للزوم أن يكون في العلة بأجزائها ربط خاص ، به كان مؤثراً في معلولها لا في غيره ولا غيرها فيه ، وإلاّ لزم أن يكون كل شيء مؤثراً في كلّ شيء وتلك الخصوصية لاتكاد توجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين مثل قول : « دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة إنشاءً لا اخباراً » ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببية له ، من كونه واجداً لخصوصية مقتضية لوجوبها أو فاقداً لها ، وانّ الصلاة لاتكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها ومعه تكون واجبة لامحالة وإن لم ينشأ السببية للدلوك أصلاً.