وأمّا التفصيل الذي حكيناه عن المحقّق النائيني ، فقد أفاد في وجهه انّه إذا كان التخيير في المسألة الفقهية يكون التخيير في المقام كالتخيير بين القصر والإتمام في المواطن الأربعة ، وأمّا إذا كان التخيير في المسألة الأُصولية يكون التخيير في المقام بمعنى جعل أحد المتعارضين حجّة شرعية وجعل مؤدّاه هو الحكم الكلي الواقعي المتعلّق بأفعال المتكلّمين فلا معنى لاختيار الآخر. (١)
يلاحظ عليه : أنّه لاملازمة بين كون التخيير في المسألة الأُصولية ، وكونه بدوياً ، لأنّ معناه على هذا هو كونه مخيّراً في الإفتاء بإحدى الحجّتين ، وهو كما يمكن أن يكون بدوياً ، يمكن أن يكون استمراريّاً ، وأمّا تفسيره بأخذه طريقاً محرزاً للواقع وجعل مؤدّاه هو الحكم الواقعي ، فلا دليل عليه.
الطائفة الثالثة : الآمرة بالأخذ بذي الترجيح
إذا كانت الطائفة الأُولى دالة على التخيير ، والثانية على التوقّف ( وقد عرفت الجمع بينهما ) فهناك طائفة ثالثة تدل على الأخذ بذي الترجيح ، وما ورد من الأخذ بأحوط الخبرين ، كما في مرفوعة زرارة (٢) ، أو بالأحدث منهما كما في رواية معلى بن خنيس (٣) ، فليس طائفة مستقلة ، لأنّ الأخذ بالخبر الموافق للاحتياط لأجل كونه مرجحاً ، أو الأخذ بالأحدث ، لكونه يدل على أنّ غير الأحدث صدر تقية ، وعلى هذان فليس هذان الصنفان طائفة مستقلة ، في مقابل الطوائف الثلاث ، وإذا عرفت ذلك فنقول : يقع الكلام في هذا الطائفة في جهات :
__________________
١. فوائد الأُصول : ٤ / ٧٦٨.
٢. غوالي اللآلي : ٤ / ١٣٣ ؛ المستدرك : ١٧ / ٣٠٣.
٣. الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨ وغيره.