وليس بواجب ، بل هو لدفع توهّم الحظر ، وذلك لأنّه لمّا كان حكم الخبرين المتعارضين عند العقلاء هو السقوط وعدم الاعتماد على واحد منهما ، وكان الحكم الشرعي غير ذلك ، حاول الإمام تخطئة ذلك الرأي ، فعبَّر بالتوسع لردّ الحظر والمنع ، لالتحديد الموضوع من حيث لزوم الأخذ وعدمه
الثانية : هل مصبّ التخيير هو المسألة الأُصولية أو الفقهية
إذا قلنا بالتخيير بين المتعارضين ، فهل مصبّه هو المسألة الأُصولية ( التخيير بين الحجّتين ) فيكون المجتهد هو المخاطب ، أو المسألة الفقهية ( التخيير بين المضمونين ) ، فيعم الخطاب للمجتهد والمقلّد غير انّ الأوّل ينوب عن الثاني ، فيكون التخيير في المقام نظير التخيير بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة. فعلى الأوّل يجب على المفتي الإفتاء بما أخذوا بالتخيير بين مضموني الخبرين ، بخلاف الثاني إذ يجب عليه الإفتاء بالتخيير بين المضمونين؟ وجهان والمشهور هو الثاني كما حكاه شيخنا الأنصاري قدسسره.
استدل للوجه الأوّل بأنّ التخيير حكم للمتحيّر ، وهو المجتهد ، ولايقاس هذا بالشك الحاصل للمجتهد في بقاء الحكم الشرعي « ببيان انّ حكمه ـ البناء على الحالة السابقة ـ مشترك بينه وبين المقلِّد » وذلك لأنّ الشكّ هناك في معنى الحكم الفرعي المشترك ، والتخيير هنا في الطريق إلى الحكم فعلاً ، فالتخيير مختص بمن يتصدّى لتعيين الطريق كما أنّ العلاج بالترجيح مختص به.
استدل للوجه الثاني بأنّ نصب الشارع للأمارات يشمل كلا الصنفين ، إلاّ أنّ المقلد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلّة من حيث تشخيص مقتضاها ورفع موانعها ، فإذا أثبت ذلك المجتهد جوازَ العمل بكلّ من الخبرين المتكافئين