المبحث الثالث
في بيان مقتضى الأصل على القول بالسببية
الحقّ ـ كما تدل عليه السيرة العقلائية ـ حجّية قول الثقة من باب الطريقية ، ويحتمل أن يكون حجّة من باب السببيّة بمعنى انّ قيام الأمارة يحدث مصلحة إمّا في المؤدّى أو في سلوكها والعمل بها. وبذلك ظهرت مذاهب في السببية نشير إليها :
الأوّل : ما نسب إلى الأشاعرة ، وهو انّ الموضوعات التي لم يرد فيها نصّ ، ليس فيها واقع محفوظ. (١) وإنّما خُوِّّل الحكم الشرعي فيه على رأي المجتهد حسب ضوء القواعد الشرعية ، وعلى ذلك يكون المجتهد في فتواه مصيباً على كلّ تقدير لا مخطئاً ، لأنّ الخطأ إنّما يتصوّر فيما إذا كان هناك واقع محفوظ والمفروض خلافه ، ومعنى ذلك انّ قيام الأمارة كالخبر الواحد والقياس والاستحسان وسدّ الذرائع وغيرها تحدث مصلحة في المؤدّى ويترتب عليه جعل الحكم الشرعي على وفق المؤدّى.
والسببية بهذا المعنى باطلة لاستلزامها الدور ، وذلك لأنّ الجهد والاستنباط يتوقف على وجود الحكم الواقعي في مظانّه ليكون بذل الجهد طريقاً للوصول إليه ،
__________________
١. الغزالي : المستصفى : ٢ / ٣٦٣. وما ينسب إلى الأشاعرة من أنّهم ينكرون الحكم المشترك بين الجاهل والعالم على إطلاقه ليس بتام ، بل انّهم ينكرون ذلك فيما إذا لم يتوفر نص من الكتاب والسنّة ، كما هو الظاهر من الغزالي في مستصفاه.