وأمّا التشريع الإلهي فهو منزّه عن هذه الوصمة ، فهو سبحانه عالم بالمصالح والمفاسد قال سبحانه : ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبير ). (١)
غير انّ هناك نكتة جديرة بالإشارة وهي انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا الناس في مكة المكرمة إلى التوحيد ونبذ الشرك ما يربو على ثلاثة عشر عاماً ولم تسنح له الفرصة لبيان الأحكام والتشريعات الهائلة في شريعته ، ولما هاجر إلى المدينة شغلته الحروب والغزوات ومجادلة أهل الكتاب ومكافحة المنافقين إلى غير ذلك من الشواغل التي حالت دون بيان أحكام الشريعة بتفاصيلها. فبيّن ما بيّن وترك التفاصيل والجزئيات على عاتق العترة الذين هم أعدال الكتاب بتنصيص منه حيث قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي » فقامت العترة واحداً بعد واحد ببيان التفاصيل والمقيّدات والمخصّصات للتشريعات السابقة. فصار هذا سبباً لتقديم الخاص على العام والمقيّد على المطلق ، وعلى ذلك جرت سيرة العلماء وديدنهم في أبواب الفقه.
الأمر الثامن : ما هو السبب لوجود الروايات المتعارضة؟
إنّ السابر في أبواب الروايات الفقهية يقف على وجود الروايات المتعارضة في أكثر الأبواب وهذا يثير سؤالاً ، وهو كيف تطرق التعارض إلى روايات أئمّة أهل البيت؟ وهناك احتمالان :
الأوّل : انّ أئمّة أهل البيت كانوا يفتون الناس عن طريق استنباط الأحكام الشرعية عن أدلّتها التفصيلية كسائر أئمّة المذاهب ، فلذلك طرأ عليهم الاختلاف
__________________
١. الملك : ١٤.