الأمر الثاني : الاستصحاب مسألة أُصولية لاقاعدة فقهية
ذهب الشيخ الأنصاري إلى أنّ الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية مسألة أُصولية ، والجاري في الموضوعية ـ كعدالة زيد ونجاسة ثوبه ـ قاعدة فقهية كأصالة الطهارة وقاعدة الفراغ.
وجهه : هو اختصاص تطبيق المسألة الأُصولية على صغرياتها بالمجتهد دون القاعدة الفقهية ، فانّ تطبيقها يعمّ المجتهد والمقلّد. والاستصحاب في الشبهات الحكمية رهن شروط كالفحص عن الدليل الاجتهادي وغيره ، ولايقوم به إلاّ المجتهد ، دون الشبهات الموضوعية ، واختاره المحقّق النائيني وقال : إنّ نتيجة المسألة الأُصولية إنّما تنفع المجتهد ولاحظّ للمقلِّد فيها ، وإنّ النتيجة في القاعدة الفقهية تنفع المقلِّد. (١)
وما ذكره من التفصيل وإن كان صحيحاً ، ولكن الفرق بين المسألة الأُصولية والقاعدة الفقهية أمر آخر ، لانتقاض ما ذكراه بكثير من القواعد الفقهية التي لايقوم بتطبيقها إلاّ المجتهد ، نظير : قاعدة ما يُضمن وما لايُضمن ، وقاعدة الإلزام ، وقاعدة الخراج بالضمان ، إلى غير ذلك من القواعد التي لايستفيد منها إلاّ المجتهد.
ويمكن التفريق بين المسألة الأُصولية والقاعدة بوجهين :
١. ما قدمناه في صدر الجزء الأوّل وهو أنّ المحمول في المسألة الأُصولية ليس حكماً شرعياً عملياً كقولنا : خبر الواحد حجّة ، والظواهر حجّة ، والأمر يدل على المرة أو التكرار. وهذا بخلاف القواعد الفقهية فالمحمول فيها حكم شرعي
__________________
١. فوائد الأُصول : ٤ / ٣٠٩.