الخلاف وفرض المؤدّى ثابتاً واقعاً كما هو كذلك في الأمارات ، وهذا بخلاف الأُصول ، فانّها ليست كاشفة عن الواقع أصلاً ، فانّ المجعول فيها إمّا تنزيل أحد طرفي الشك منزلة الواقع ، والبناء والعمل على ثبوته كما في الأُصول المحرزة ، وإمّا مجرّد تطبيق العمل على مؤدّى الأصل والجري على طبقه ظاهراً عند الشك. (١)
يلاحظ عليه : أنّ مؤدّى الأمارة ـ كما أفاده ـ هو إلغاء احتمال الخلاف وانّ المخاطب ليس بشاك تعبّداً وفرض المؤدّى ثابتاً ، ولكن الظاهر من لسان دليل الاستصحاب ، حفظ الشكّ وانّه شاكّ ، لكنّه لايعتدّ به ، فكم فرق بين إلغاء الشكّ وفرض المؤدّى واقعاً وادّعاء انّك لست بشاك ، وبين عدم الاعتداد بالشك مع حفظه ، نظير الشكوك التي لايعتد بها ، كالشكّ بعد تجاوز المحلّ مع حفظ كونه شاكاً ، وعلى ذلك فلسانه لسان الأصل لا الأمارة.
المقام الثالث : في تعارض الاستصحابين
الترتيب المنطقي أو حفظ المناسبة بين المسائل يقتضي تقديم البحث عن تعارض الاستصحابين على بيان نسبة الاستصحاب مع القواعد الأربع كما صنعه المحقّق الخراساني خلافاً للشيخ ، حيث أخّر الأوّل وقدّم الثاني ، وبما انّا نمشي على ضوء الكفاية قدّمنا هذا البحث ، ثمّ نركز على القواعد الأربع ، وبيان النسبة ، بعد الفراغ من أحكام الأُصول العملية.
وقبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً :
الأوّل : الفرق بين التعارض والتزاحم اللّذين يجمعهما عنوان التنافي ، هو انّ التنافي تارة يكون راجعاً إلى مقام الجعل والإنشاء بحيث يلزم من صدق أحدهما
__________________
١. مباني الاستنباط : ٢٩٣.