يبقى الحكم الواقعي على شأنيته من دون جعل حكم ثانوي بل يكون المكلّف معذوراً.
الثالث : ما أجاب به المحقّق النائيني وقال : إنّ منشأ الإشكال توهم كون المجعول فيها المنجّزيّة والمعذِّرية ، لا الإحراز والوسطية في الإثبات فإذا كان المجعول فيها هو الثاني ، تكون حال الأمارات ، حال العلم في صورة المطابقة والمخالفة ، ويكون المؤدّى محرزاً ، ويجري فيه الاستصحاب عند الشكّ كما لو كان محرزاً بالعلم الوجداني بلا إشكال أصلاً. (١)
وحاصله : انّ الشارع جعل الأمارة منزلة العلم ، فكما أنّ العلم محرز للواقع فكذا الأمارة محرزة للواقع ، تعبّداً ، فصار للعلم فردان : وجداني وتعبدي ، فيكون المكلّف بعد قيام الأمارة محرِزاً للواقع وعالماً به ، وبما أنّ اليقين في أدلّة الاستصحاب لم يؤخذ بما هو وصف قائم في النفس بل أخذ طريقاً صحّ قيام الأمارة مقام اليقين. (٢)
يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّما ذكره من أنّ المجعول في باب الأمارات هو الوسطية في الإثبات والطريقية والإحراز ، مبني على وجود الجعل فيها ، وأمّا على القول ، بأنّ حجّية الأمارات إمضائي لاتأسيسيّ ، أي إمضاء ماعليه العقلاء بما انّها مفيدة للإطمئنان ، أو مصيب للواقع غالباً فيكون الجواب أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع.
وثانياً : نفترض انّ حجّية الأمارة مجعولة لكن الطريقية أو الوسطية في الإثبات وما يشابهما غير صالحين للجعل ، لأنّهما بالمعنى التكويني غير قابلين للجعل ، لأنّ الشيء في التكوين إمّا طريق أو غير طريق ، فالقطع والظن
__________________
١. فوائد الأُصول : ٤ / ٤٠٤ بتصرف.
٢. مصباح الأُصول : ٣ / ٩٩.