الصوم لا يحصل له بإيقاعه في مكان دون آخر صفة زائدة على كماله في نفسه ، فإذا نذر الصوم في مكان معيّن انعقد الصوم خاصّة لرجحانه ، دون الوصف ، لخلوّه عن المزيّة.
ويضعّف بعد تسليم خلوّ المكان عن المزيّة أنّ النذر لم يتعلّق بمطلق الصوم نطقاً ولا قصداً ، وإنّما تعلّق بالصوم المخصوص الواقع في المكان المعيّن ، فمتى قلنا بانعقاد نذره لم يحصل الامتثال بدون الإتيان به على ذلك الوجه ، وإلاّ لم يجب الوفاء به مطلقاً. أمّا صحّة النذر وجواز الإتيان بالمنذور في غير ذلك المكان فلا وجه له أصلاً.
هذا مع أنّه أخصّ من المدّعى ؛ لاختصاصه بالمكان الذي ليس له مزيّة أصلاً. وأمّا ذو المزيّة فلم يجر فيه هذا الدليل قطعاً ، ولذا إنّ جملة ممّن تبعه على التخيير قيّدوه بغير ذي المزيّة وحكموا فيه بلزومه ، مدّعياً بعضهم الإجماع عليه (١). لكن ظاهره تنزيل الخلاف حتى من الشيخ على غيره.
وكيف كان ، لا ريب في ضعفه مطلقاً ؛ لما مضى.
وحاصله : أنّ المنذور وإن كان مباحاً أو مرجوحاً بالخصوصية ، إلاّ أنّه من حيث كونه فرداً من المطلق الراجح عبادة بل المطلق لا وجود له إلاّ في ضمن فرد خاصّ فإذا تعلّق النذر به انحصرت الطاعة فيه ، كما تنحصر عند الإتيان بها في متعلّقاتها ، فلا يجزي غيرها.
مع أنّ فتح باب المنع في مثله يؤدّي إلى عدم تعيين شيء بالنذر أصلاً ، وهو باطل اتّفاقاً ويوجب فساد ما حكموا به من غير خلاف يظهر.
بل ادّعى بعضهم الوفاق عليه من تعيّن الوقت للصلاة إذا عيّنه ، وكذا المكان
__________________
(١) كفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٥٩.