وأمّا المتوسطان : أعني : الكاشفية والطريقية ، فهما من الأُمور التكوينية لاتنالهما يد الجعل التشريعي فلو كان الشيء طريقاً بالذات ، سواء كان طريقاً كاملاً أو ناقصاً ، لاستغنى عن إفاضتهما عليه ، وإلاّ فلايكون إفاضتهما عليه ، طريقاً ولاكاشفاً.
نعم كان بعض مشايخنا السادة (١) يقول بأنّ المجعول في باب الأمارة هو تتميم الكشف أو إكمال طريقيته ، فلو أراد تتميمها تكويناً فهو غير ممكن بالجعل الاعتباري ، وإن أراد تتميمها بالاعتبار فهو وإن كان أمراً ممكناً ، لأنّ الاعتبار خفيف المؤنة ، لكنّه بعيد عن الأذهان ، أعني : تتميم الأمر الحقيقي بالأمر الاعتباري.
أمّا الأخيرتان : أي النظافة والقذارة العرفيتين ، فهما بهذا المعنى من الأُمور التكوينية الخارجة عن حدود الجعل والاعتبار قال سبحانه : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (٢) ( كُلُوا مِنْ طَيِّبات ما رَزَقْناكُمْ ) (٣).
٢. ما تناله يد الجعل استقلالاً ، وليس منتزعاً من الأحكام التكليفية الموجودة في مورده ، وهذا كالزوجية والملكية ، وقد برهن المحقّق الخراساني على كونهما مجعولين مستقلاً لاتبعاً للأحكام الشرعية بوجوه ثلاثة كما عرفت.
٣. ما يكون منتزعاً من الأحكام التكليفية ، غير مجعول استقلالاً ، وهذا كالرخصة والعزيمة فانّهما أمران انتزاعيان من حكم الشارع بجواز الترك أو لزومه ، والأوّل كسقوط الأذان والإقامة لمن دخل وقد أُقيمت صلاة الجماعة ، والثاني
__________________
١. السيد الحجّة الكوهكمري قدسسره في درسه الشريف.
٢. الفرقان : ٤٨.
٣. البقرة : ٥٧.