يلاحظ عليه : أنّ الترجيح بهذين الوصفين لايوجد إلاّ في المرفوعة والمقبولة ، فالمرفوعة لاسند لها ، وأمّا المقبولة فموردها ترجيح رأي أحد القاضيين على الآخر ، فلو قيل بالتعدّي فإنّما يصحّ التعدّي في مورد القضاء أي يتعدّى من الأوصاف المنصوصة في القاضي إلى غير المنصوصة فيه لا إلى مورد الإفتاء الذي هو خارج عن موضوع البحث.
أضف إلى ذلك انّ إيجاب الترجيح في القضاء لأجل انّ فصل الخصومة لايتم إلاّ بصدور الرأي القاطع من القاضي ولايصح تخيير المتحاكمين بين مضموني الروايتين ، إذ عندئذ لايحسم النزاع وأمّا باب الإفتاء فلايجب فيه الترجيح لجواز الإفتاء بالتخيير بين الخبرين ولايترتب عليه الفساد المترتب عليه في باب القضاء.
الوجه الثاني : ليس المراد من المجمع عليه ـ الذي وصفه الإمام بأنّه لا ريب فيه ـ الروايةَ المتواترة بل المراد الخبر الواحد المعروف بين الرواة ، وعليه يكون المراد من قوله : « لا ريب فيه » هو عدم الريب بالإضافة إلى الرواية الشاذة التي لم تكن معروفة عند الأصحاب ، فتكون المشهورة أقرب من الشاذة إلى الصدور ، إذ يحتمل فيه ما لايحتمل في المجمع عليه ، ولازم ذلك هو التعدّي إلى كلّ مزية توجب نفي الريب في واحدة دون الأُخرى ، ويؤيد انّ المراد من الريب هو الريب النسبي لا الريب المطلق أمران :
١. فرض الراوي خبرين مشهورين ، إذ لايصحّ فرض خبرين مشهورين ممّا لا ريب فيهما على وجه الإطلاق.
٢. إنّه لو كان المراد هو نفي الريب على وجه الإطلاق لم يكن وجه لتقديم الترجيح بصفات الراوي على الشهرة ، فانّ الإرجاع إلى الأمارة الظنية إنّما يصحّ إذا فقدت الأمارة القطعية.