الله تعالى ، أو لقوم اطّلعهم الله على ذلك من أصفيائه ، أو لأهل القرية الّتي كان فيها وفقد من بينهم (١) ، فجاءهم بعد مئة سنة وتحقّقه من يعرفه بصفاته ، فيكون قوله تعالى : (مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) إشارة إلى قوله : «أخرجني روح الربّ وأمّرني عليها». فقوله : (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ)؟ إشارة إلى قوله : «أتحيى هذه العظام؟ فقلت : يا سيّدي ، أنت تعلم!» ؛ لأنّ كلامه هذا ينبئ باستبعاد إحيائها. ويكون قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) ممّا أفاده القرآن من البيان ، زيادة على ما في كتب اليهود ، لأنّهم كتبوها بعد مرور أزمنة.
فمن هنا يحتمل ـ والله العالم ـ أنّه مات (أخذه السّبات) في تغيّبه عن قومه في حدود سنة (٥٦٠ ق. م.) وكان تجديد أورشليم في حدود (٤٥٨). فتلك مئة سنة تقريبا ، ويكون قوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) تذكرة له بتلك النبوءة ، وهي تجديد مدينة إسرائيل (٢).
[٢ / ٧٥٤٧] وهكذا أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن سليمان بن محمّد الأسلمي اليساريّ الجاريّ ـ من أهل الجار (٣) ـ ابن عمّ مطرّف (٤) ، قال : سمعت رجلا من أهل الشام ، يقول : إنّ الّذي أماته الله مئة عام ثمّ بعثه ، اسمه : حزقيل بن بوزي (٥).
***
وجاء في تفسير المنار عند قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) قالوا : معناه : ألبثه مئة عام ميّتا ، وذلك أنّ الموت يكون في لحظة واحدة.
قال الأستاذ محمّد عبده : وفاتهم أنّ من الموت ما يمتدّ زمنا طويلا ، وهو ما يكون من فقد الحسّ والحركة والإدراك ، من غير أن تفارق الروح البدن بالمرّة ، وهو ما كان لأهل الكهف ، وقد عبّر عنه تعالى بالضرب على الآذان.
قال السيّد رشيد رضا : ولعلّ وجهه أنّ السمع ، آخر ما يفقد من إدراك من أخذه النوم أو الموت.
__________________
(١) وسيأتي في الحديث عن الإمام الصادق عليهالسلام : «فغيّب الله شخصه مئة عام ، ثمّ بعثه» كمال الدين للصدوق ١ : ١٥٨ ، باب ٧.
(٢) التحرير والتنوير ٢ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩.
(٣) بليدة على الساحل بقرب المدينة. وهو سليمان بن محمّد بن موسى الأسلمي اليساريّ المديني الجاريّ ، صدوق.
(٤) هو أبو مصعب مطرّف بن عبد الله بن سليمان بن يسار المديني ، ابن أخت مالك ، ثقة.
(٥) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٠٠ / ٢٦٤٢ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٢ ؛ الدرّ ٢ : ٢٩.