قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤))
عود على بدء ، حيث الإنفاق في سبيل الله ضرورة ، بل دعامة لقوام الإسلام ، وقد سبق أنّ الإنفاق في سبيل الجهاد ، نظير بذل النفس في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض ، واجب إسلامي ـ إنساني ؛ فالإنفاق صنو الجهاد وعصب النضال في سبيله تعالى.
والآية الكريمة دعوة إلى الإنفاق من رزقه تعالى الّذي أعطا كموه ، فهو الّذي أعطى ، وهو الّذي يدعو إلى الإنفاق ممّا أعطى ومنح.
ألا وهي الدعوة إلى الفرصة الّتي إن أفلتت منهم فلن تعود (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) لا تعامل فيه ولا صداقة ولا شفاعة تردّ عنهم عاقبة النكول والتقصير ، إن لم يكن قدّم لغده شيئا (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ)(١).
ومن ثمّ (وَالْكافِرُونَ) الّذين أغفلوا الحياة الأخرى ولم يلحظوها في حياتهم الدنيا (هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم ، وخسروها عبر الهباء ، فقد ظلموا الحقّ فأنكروه ، وظلموا أنفسهم فأوردوها موارد الهلاك والخسران.
[٢ / ٧٤٠٧] أخرج ابن أبي حاتم عن الجعفي : أنّه فسّر الكفر هنا ـ في الآية ـ بكفران النعم ، قال : الكافرون بالنعم (٢).
نعم كفران النعم يوجب الخسران ، كما أنّ الشكر يوجب الازدياد. فكافر النعم ظالم لنفسه لا محالة.
__________________
(١) الحشر ٥٩ : ١٨.
(٢) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٦ / ٢٥٦٨.