الموتى فسنحدّثك أنّ بني إسرائيل وقع عليهم الوباء ، فخرج منهم قوم حتّى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله ، فبنوا عليهم حائطا حتّى إذا بليت عظامهم بعث الله حز قيل ، فقام عليهم فقال ما شاء الله ، فبعثهم الله له ، فأنزل الله في ذلك : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ) الآية (١).
نعم هكذا تنسج أبناء إسرائيل مهازيلهم ، عن خبث لئيم.
***
وهناك عمد أصحاب المذاهب العقليّة إلى تأويل الآية إلى ما يتوافق والمعهود من حكمته تعالى. قال أصحاب الاعتزال : إحياء الموتى فعل خارق للعادة ، ومثل هذا لا يجوز إظهاره من الله إلّا عند ضرورة الإعجاز ، دليلا على صحّة نبوّة نبيّ ، إذ لو جاز ظهوره في غير ضرورة الإعجاز ، لبطلت دلالته على النبوّات (٢).
وأجاب الفخر الرازي بأنّ هذا الحادث وقع على يد نبيّ الله حز قيل (ذي الكفل) فيكون معجزة له!
قلت : القرآن خلو عن هذا الإسناد ، سوى روايات عاميّة لا اعتبار بها ، وعلى فرض صحّتها فإنّ الحادث في ظاهره لم يقع لضرورة إعجاز وليكون دليلا على نبوّة حز قيل ، على الفرض.
كما أنّ تاريخ حياة حز قيل ، سواء قبل إسارته على يد بخت نصّر أم بعدها معلومة مشهورة (٣) ، فلو كان مثل هذا الحادث وقع على يده لذكرته أسناد كتب اليهود القديمة ، وليس فيها ولا إشارة إلى هذا الحادث الرهيب!
رؤيا حز قيل
نعم هناك رؤيا رآها حز قيل ، لها شبه بما سطّره القصّاصون. فكلّ من الّذين قالوا : إنّهم قوم من بني إسرائيل أحياهم الله بدعوة حز قيل ، والّذين قالوا إنّما هذا مثل لا قصّة واقعة ، فالظاهر أنّهم
__________________
(١) الدرّ ١ : ٧٤٢ ؛ الطبري ٢ : ٧٩٤ / ٤٣٦٤ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤.
(٢) راجع : تفسير الرازي ٦ : ١٦٤.
(٣) ولد في قرية «اليهوديّة» سنة ٥٩٨ قبل الميلاد وكانت نبوّته عبر ستّ وثلاثين سنة ، مشروحة مبيّنة في سجلّات القوم. (قاموس الكتاب المقدّس ـ جيمس هاكس : ٣٢٠).