قوله تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ)
كان داوود ملكا نبيّا (١) ، وعلّمه الله صناعة الزرد وعدّة الحرب ، ممّا يفصّله القرآن في مواضعه في سور أخرى ممّا سيأتي الكلام عليه (٢).
[٢ / ٧٣٣٦] روى أبو إسحاق الثعلبي عن الكلبي وغيره ، قالوا : يعني صنعة الدروع ، فكان يصنعها ويبيعها ، وكان لا يأكل إلّا من عمل يده (٣).
[٢ / ٧٣٣٧] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) يعني ملكه اثنا عشر سبطا (وَالْحِكْمَةَ) يعني الزبور (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) علمّه صنعة الدروع ، وكلام الدوابّ والطير ، وتسبيح الجبال (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) يقول الله ـ سبحانه ـ : لو لا دفع الله المشركين بالمسلمين ، لغلب المشركون على الأرض ، فقتلوا المسلمين وخرّبوا المساجد والبيع والكنائس والصوامع ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) يقول : لهلكت الأرض. نظيرها : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها)(٤) يعني أهلكوها (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) في الدفع عنهم (٥).
[٢ / ٧٣٣٨] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى أبي الحسن الأوّل عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله تبارك وتعالى اختار من كلّ شيء أربعة ، واختار من الأنبياء أربعة للسيف : إبراهيم وداوود وموسى وأنا» (٦).
قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
نعم ، لقد كانت الحياة كلّها تأسن وتتعفّن لو لا دفع الناس بعضهم ببعض ، ولو لا أنّ في طبيعة الناس ـ الّتي فطرهم الله عليها ـ أن تتعارض مصالحهم واتّجاهاتهم الظاهريّة القريبة ، لتنطلق الطاقات كلّها تتزاحم وتتغالب وتتدافع ، فتنفض عنها الكسل والخمول ، وتستجيش ما فيها من
__________________
(١) كما قال في آية أخرى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (النساء ٤ : ٦٣).
(٢) عند الآية ٨ من سورة الأنبياء : ٢١.
(٣) الثعلبي ٢ : ٢٢٣ ؛ البغوي ١ : ٣٤١ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٣٨٢.
(٤) النمل ٢٧ : ٣٤.
(٥) تفسير مقاتل ١ : ٢١١.
(٦) نور الثقلين ١ : ٢٥٢ ؛ الخصال : ٢٢٥ / ٥٨ ، باب الأربعة ؛ البحار ٩٦ : ٣٨٣ / ٣ ، باب ٣ ؛ كنز الدقائق.