وبنيه الثلاثة ، وأصبح داوود ـ بعد حين ـ ملكا على إسرائيل وأتاه الله الحكم والنبوّة وفصل الخطاب (١). (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) ممّا يمسّ شؤون النبوّة وسياسة البلاد.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
ذيّلت هذه الآية الرهيبة ، كلّ الوقائع العجيبة الّتي أشارت إليها الآيات السالفة ، لتدفع عن السامع المتبصّر ما يخامره من تطلّب الحكمة في حدثان هذه الوقائع وأمثالها في هذه الحياة ، وليكون مضمون هذه الآية عبرة من عبر الزمان وحكمة من حكم التاريخ ، لا تزال الحوادث تتفاعل مع بعضها البعض ، وليكون الغلب في نهاية المطاف مع الحقيقة الناصعة ـ والّتي هي صلاح العباد وقوام البلاد ـ وفق مشيئة الله تعالى في تسيير هذه الحياة.
ومن هنا نرى أنّ أعيان الأشخاص والأحداث تتوارى في طيّ الزمان ، كي تبرز من خلالها ومن خلال النصّ القصير ، حكمة الله العليا في الأرض ، من اصطراع القوى وتنافس الطاقات ، وانطلاق السعي في تيّار الحياة المتدفّق الصاخب الموّار!
وهنا تنكشف على مدّ البصر ساحة الحياة المترامية الأطراف تموج بالناس ، في تدافع وتسابق وزحام إلى الغايات ، ومن ورائها جميعا تلك اليد الحكيمة المدبّرة ، تمسك بالخيوط جميعا ، وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق ، إلى الخير والصلاح والنماء ، في نهاية المطاف.
نعم كانت الحياة كلّها تأسن وتتعفّن ، لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، ولو لا أنّ في طبيعة هذا التدافع ، لتنطلق الطاقات كلّها ؛ تتزاحم وتتغالب وتتدافع ، فتنفض عنها الكسل والخمول ، وتستجيش ما فيها من مكنونات مذخورة ، وتظلّ أبدا يقظة عاملة ، مستنبطة لذخائر الأرض ، مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة.
__________________
(١) صموئيل الأوّل ، الأصحاح ١٧ و ١٨ ؛ صموئيل الثاني ، الأصحاح ١ و ٢.