أي يؤاخذكم على نيّاتكم في الأعمال ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ، ولا ينظر إلى ظواهر الأعمال ، بل إلى الباطن الباعث على هذه الأعمال (١)(فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لمن استغفر ربّه وأصلح وأناب (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممّن أصرّ واستكبر ولجّ في الفساد والإفساد ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء ولا يحول دون إرادته شيء ، فعّال لما يريد ، إنّه عليم حكيم ، ولما يشاء قدير.
آية الدّين تشتمل على بضعة عشر حكما
[٢ / ٨١٥٨] قال عليّ بن إبراهيم : أمّا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) فقد روي في الخبر : أنّ في البقرة خمسمائة حكم وفي هذه الآية خمسة عشر حكما ، وهو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ثلاثة أحكام (فَلْيَكْتُبْ) رابع الأحكام (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) خامس الأحكام ، وهو إقراره إذا أملى (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) ولا يخونه ، سادس الأحكام (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) أي لا يحسن أن يملّ (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) يعني وليّ المال ، سابع الأحكام (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ثامن الأحكام (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) يعني أن تنسى إحداهما فتذكّرها الأخرى ، تاسع الأحكام (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) عاشر الأحكام (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) أي لا تضجروا أن تكتبوه صغير السنّ أو كبيره (٢) ، الحادي عشر (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أي لا تشكّوا (إِلَّا أَنْ
__________________
(١) وسيأتي أنّه تعالى لا يحاسب العبد على مجرّد نيّته للسوء ما لم يقترفه ، وإن كان يثيبه على نيّة الخير لطفا به. فالآية ناظرة إلى الأعمال الصادرة عن نيّات صالحة أو زائفة ، فيحاسب العباد أعمالهم حسب نيّاتهم ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.
(٢) لم يعرف وجه هذا الكلام ، إذ قوله تعالى (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) حال من الضمير الرابع إلى الدين. أي سواء كان صغيرا أي قليلا أو لم يكن بذات أهمّية كبيرة. أو كبيرا أي كثيرا أو ذات أهمّية كبيرة. وهذا الكلام يجعل القيد للكاتب أو صاحب الحقّ ، وهو خلاف الظاهر ، هذا و «السّنّ» مؤنّثة ، كما لا يخفى.