[٢ / ٧٧٨٨] وأخرج الطبراني عن كثير بن مرّة عن عقبة بن عامر عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «المسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصدقة ، والجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة» (١).
[٢ / ٧٧٨٩] وروي عن معدّ بن سويد الكلبي يرفعه : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن الجهر بالقراءة والإخفاء بها؟ فقال : «هي بمنزلة الصدقة (فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)» (٢).
وقفة فاحصة عند قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ)
نعم لا بدّ أن نقف هنا ، وندقّق النظر حول هذه الآية الكريمة. إنّنا نواجه أمرين خطيرين ، واجههما القرآن طول توجيهه إلى الإنفاق ، وتنوّع أساليبه في الترغيب والترهيب بصدده.
أوّلا : ما لاحظه الإسلام في طبيعة النفس البشريّة من حبّ الذات والتقديم بالنفس على مصالح الآخرين ، الأمر الّذي يبعثه على الشحّ بالمال ، ودون بذله من غير حصيلة تعود إليه في عاجل أو آجل قريب.
وهذا ما يستدعي تحرّكا مستمرّا واستجاشة دائبة تعمل في توجيهه إلى مكارم الإنسانيّة العليا وترفّعها عن الابتذال إلى مستوى نهم الحرص والشحّ بالمال ، دون الإنفاق به في صالح العامّة ، والّذي هو سبيل الله ، وابتغاء مرضاته في العاجل والمآل.
وثانيا : مواجهة القرآن تلك البيئة العربيّة الّتي اشتهرت بالكرم والسخاء. ولكنّه سخاء يقصد به الذكر والصيت وثناء الناس وتناقل أخباره في المضارب والخيام. فكان من العسير أن يوجّههم الإسلام إلى غير ذلك المسير ويعرّفهم المنهج الصحيح في الصدقة والإنفاق العامّ. متجرّدين عن خيلاء الجاهليّة ، متّجهين إلى الله وحده دون الناس. فكان الأمر في حاجة إلى تربية طويلة وجهد كثير ، والهتاف المستمرّ بالتسامي والتعالي عن مهابط الخيلاء ، وقد كان ولا يزال (٣).
__________________
(١) الكبير ١٧ : ٣٣٤ / ٩٢٣ ؛ أبو يعلى ٣ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ / ١٧٣٧ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٧٤ / ١٩٤ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٨١ ؛ مسند أحمد ٤ : ٢٠١ ، وفيه : والمجهر بالقرآن كالمجهر بالصدقة.
(٢) الثعلبي ٢ : ٢٧٤ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٨٠.
(٣) راجع : في ظلال القرآن ١ : ٤٦٠ ـ ٤٦١. (اقتباس).