وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء ، يكون بقيام الجماعة الخيّرة المهتدية المتجرّدة ، تعرف الحقّ الّذي بيّنه الله لها ، وتعرف طريقها إليه واضحا ، وتعرف أنّها مكلّفة بدفع الباطل وإقرار الحقّ في الأرض. وتعرف أن لا نجاة لها من الذلّ والهوان ، إلّا أن تنهض بهذا الدور النبيل ، وإلّا أن تحتمل في سبيله ما تحتمل في الأرض طاعة لله وابتغاء لرضاه.
ومن هنا كانت الفئة القليلة المؤمنة الواثقة بالله تغلب في النهاية وتنتصر ، وذلك أنّها تمثّل إرادة الله العليا في دفع الفساد عن الأرض ، وتمكين الصلاح في الحياة. إنّها تنتصر لأنّها تمثّل غاية عليا تستحقّ الانتصار.
قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)
وفي النهاية يجيء التعقيب بالاستنتاج الحاصل من ذكر قصص السالفين ، دليلا على عظيم قدرته تعالى في الخلق والتدبير ، وحكمته تعالى البالغة في تسيير الأمور.
نعم تلك الحوادث العظام ـ الّتي مرّت على الحياة البشرية. في سالف أيّامها ولا تزال تستمرّ عبر الأيّام ـ لدليل قاطع على أنّ هناك يدا وراء هذا الظاهر ، هي الّتي تسيّر الأمور ، إن خيرا وإن شرّا وفق ما يعمله الإنسان ويحاول التصرّف على ما يريد.
وفي النهاية فإنّ كلّ المحاولة تصبح فاشلة إلّا ما أراده الله من الخير والصلاح ، الأمر الّذي يتأصّل في الحياة ويدوم ويكون له البقاء والخلود.
إذن فتلك (آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) تلك الآيات العالية المقام ، البعيدة الغايات ، نتلوها عليك. فالله ـ سبحانه ـ هو الّذي يتلوها وهو أمر هائل عظيم حين يتدبّر الإنسان حقيقته العميقة الرهيبة ، نتلوها عليك بالحقّ ، تحمل معها الحقّ ويتلوها من يملك حقّ تلاوتها وتنزيلها ، وجعلها دستورا للعباد. وليس هذا الحقّ لغير الله ـ سبحانه ـ. فكلّ من يسنّ للعباد منهجا غيره تعالى فقد جرأ على الله وادّعى ما لا يملكه ، مبطل لا يستحقّ أن يطاع ، فإنّما يطاع أمر الله ، وأمر من يهتدي بهدى الله ، دون سواه.
(وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ومن ثمّ نتلو عليك هذه الآيات ، ونزوّدك بتجارب البشريّة كلّها في