يبعثه مجرّد الثواب على الصدقة ، وإن كان يعلم من نفسه أنّه لو لا الرغبة في الثواب لم يبعثه مجرّد الرئاء على الإعطاء.
ولا كمن له ورد في الصلاة وعادة في الصدقات ، واتّفق أن حضر في وقتها جماعة ، فصار الفعل أخفّ عليه وحصل له نشاط مّا بسبب حضورهم ، وإن كان يعلم من نفسه أنّهم لو لم يحضروا أيضا لم يكن يترك العمل أو يفتر عنه ، البتّة.
فأمثال هذه الخواطر ممّا يخلّ بصدق النيّة. وبالجملة فكلّ عمل قصدت به القربة ، وانضاف إليه حظّ من حظوظ الدنيا ، بحيث تركّب الباعث عليه من دينيّ ونفسيّ ، فنيّتك فيه غير صادقة ، سواء كان الباعث الدينيّ أقوى من الباعث النفسيّ أو أضعف أو مساويا (١).
هل كانت نيّة السوء سيّئة؟
قال الشهيد السعيد الإمام أبو عبد الله محمّد بن مكّي العاملي : لا تؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا ، ما لم يتلبّس بها ، وهو ما ثبت في الأخبار العفو عنه (٢).
ولو نرى المعصية وتلبّس بما يراه معصية ، فظهر خلافها ، ففي تأثير النيّة نظر ؛ من أنّها لمّا لم تصادف المعصيّ فيه ، صارت كنيّة مجرّدة ، وهو غير مؤاخذ بها ؛ ومن دلالتها على انتهاكه الحرمة وجرأته على المعاصي!
وقد ذكر بعض الفقهاء (٣) : أنّه لو شرب المباح متشبّها بشارب المسكر ، فعل حراما.
ولعلّه ليس بمجرّد النيّة ، بل بانضمام فعل الجوارح إليها.
قال : ويتصوّر محلّ النظر في صور :
منها : ما لو وجد امرأة في منزل غيره فظنّها أجنبيّة فأصابها ، فتبيّن أنّها زوجته. ومنها : لو وطأ
__________________
(١) البحار ٦٧ : ٢٣٢ ؛ كتاب الأربعين ؛ ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، ذيل الحديث ٣٧.
(٢) تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة من ذرّيّته عليهمالسلام بأنّ من همّ بمعصية ولم يعملها ، لم يؤاخذ على نيّته المجرّدة. راجع : صحيح مسلم ١ : ٨٢. والبخاري ٨ : ١٩٨. ومسند أحمد ١ : ٣١٠. والكافي ٢ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة. والبحار ٦٨ : ٢٤٥ ـ ٢٥٦. وسيأتي الكلام عن ذلك.
(٣) هو أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي في الفقه : ١١٧ (مخلوط بمكتبة السيّد الحكيم العامّة في النجف برقم ٦٤١).