أصبناها من عدوّنا ، فما لنا لا نتقوّى به!!» (١).
والصحيح ما جاء في القرآن ، للحكمة الّتي أفدناها. أمّا النهي من أكل الطعام والإمساك طول النهار ، ولا سيّما أثناء النضال. فهذا ما يبدو غريبا يخالف منهج القتال ، حيث القتال بحاجة إلى قوّة بأس ، يتنافى مع ضعف الإمساك.
ولعلّ الأمر اشتبه على مسجّلي حروب إسرائيل آنذاك ، ولا سيّما وكان التسجيل متأخّرا عنها بمدّة قد لا تكون قصيرة!
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ)
وبعد أن جاوزوا نهر الأردن حتّى أشرفوا على ساحة القتال ورأوا كثرة العدوّ وشوكتهم ، هابوهم وخافوا الانكسار ، كما جرّبوه مرارا.
قوله : (هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ...) قيل : هم الّذين أمسكوا عن الشرب. كما يأتي الحديث عنه.
والأرجح أنّهم عامّة الجيش ، حيث تعاهدوا طالوت على الثبات معه في الحرب ، حتّى نهاية المطاف. ولكنّهم حين مواجهة شوكة العدوّ ، استرهبوهم وخافوا الفشل ، لو لا أنّ البعض ممّن امتحن الله قلوبهم ، ثبّتوهم وقالوا : النصر بيد الله ، و (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) «إن صبرت ظفرت» والأساس هو الاستقامة والثبات والاتّكال على الله ـ سبحانه ـ.
وهذا التشجيع أثّر في نفوس القوم فزادهم قوّة وثباتا في المعركة وكانت النتيجة : أن ظفروا على العدوّ وهزموهم بإذن الله.
ومن ثمّ : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا) ضارعين إلى الله : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
فاستجاب الله دعاءهم ـ حيث كان عن صدق نيّة وإخلاص وعن انقطاع إليه ـ سبحانه ـ :
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ).
__________________
(١) الأصحاح ١٤ : ٢٤ ـ ٣١.