سبي يوياكين الملك ، صار كلام الربّ إلى حز قيال الكاهن بن يوزي في أرض الكلدانيّين عند نهر خابور ، وكانت عليه هناك يد الربّ.
ثمّ يذكر الرؤى واحدة تلو أخرى حتّى يصل إلى هذه الرؤيا في الإصحاح السابع والثلاثين ، كما نقلناه.
فلعلّ هذا المثل ـ الّذي تمثّل لحز قيال في رؤياه ـ مع الموضع الّذي كانت فيه مرائي هذا الكاهن ، وهو خابور ، وهو قرب واسط ، هو الّذي حدا بعض القصّاصين إلى دعوى أنّ هؤلاء القوم من أهل بلدة يقال لها : داوردان ، إذ لعلّ داوردان كانت بجهات خابور الّذي رأى النبيّ حز قيال ما رأى.
تأويلات بشأن الحادثة
وإليك جانبا من تأويلات القوم بشأن هذا الحادث :
قال الشيخ محمّد عبده : معنى موت أولئك القوم هو أنّ العدو نكل بهم وأفنى قوّتهم وأزال استقلال أمّتهم ، حتّى صارت لا تعدّ أمّة ؛ بأن تفرّق شملها وذهبت جامعتها ، فكلّ من بقي من أفرادها خاضعين للغالبين ، ضائعين فيهم مدغمين في غمارهم ، لا وجود لهم في أنفسهم ، وإنّما وجودهم تبع لوجود غيرهم.
قال : ومعنى حياتهم من جديد هو عود الاستقلال إليهم. ذلك أنّ من رحمة الله تعالى في البلاء يصيب الناس ، أنّه يكون تأديبا لهم ومطهّرا لنفوسهم ممّا عرض لها من دنس الأخلاق الذميمة. أشعر الله أولئك القوم بسوء عاقبة الجبن والخوف والفشل والتخاذل ، بما أذاقهم من مرارتها ، فجمعوا كلمتهم ووثقوا رابطتهم ، حتّى عادت لهم وحدتهم قويّة ، فاعتزّوا وكثروا إلى أن خرجوا من ذلّ العبوديّة الّتي كانوا فيها ، إلى عزّ الاستقلال.
فهذا معنى حياة الأمم وموتها ؛ يموت قوم منهم باحتمال الظلم ، ويذلّ الآخرون حتّى كأنّهم أموات ، إذ لا تصدر عنهم أعمال الأمم الحيّة ، من حفظ سياج الوحدة وحماية البيضة ، بتكافل أفراد الأمّة ومنعتهم ، فيعتبر الباقون فينهضون إلى تدارك ما فات ، والاستعداد لما هو آت ، يتعلّمون من فعل عدوّهم بهم كيف يدفعونه عنهم. قال عليّ عليهالسلام : «إنّ بقيّة السيف هي الباقية». أي الّتي يحيا بها