قال ابن كثير : ليس هذا من الإكراه على الدين ، فإنّه لم يكرهه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على الإسلام ، بل دعاه إليه (أي عرض عليه الإسلام) فأخبره الرجل أنّ نفسه كارهة له وليست قابلة ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أسلم وإن كنت ـ [في نفسك] ـ كارها ، فإنّ الله سيرزقك حسن النيّة والإخلاص (١).
والشيء الأغرب ما زعمه بعضهم من أنّ الآية منسوخة بآية السيف! هكذا زعم ابن زيد (٢) ونسب إلى عكرمة (٣) وغيره أيضا (٤).
قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ...)
وفي هذا البيان زيادة إيضاح وتحديد لحقيقة الإيمان وصدق النيّة والإخلاص ، والّتي بها النجاح والفلاح في نهاية المطاف!.
والطاغوت ـ كما يأتي بيانه ـ صيغة مبالغة من الطغيان ، تفيد : كلّ ما يطغى على الوعي ، ويجور على الحقّ ، ويتجاوز الحدود الّتي رسمها الله للعباد ، ولا يكون له ضابط من العقيدة في الله ، ومن الشريعة الّتي يسنّها الله. ومنه كلّ منهج غير مستمدّ من الله ، وكلّ تصوّر أو وضع أو أدب أو تقليد لا يستمدّ من الله.
فمن يكفر بهذا كلّه وفي كلّ صورة من صوره ، ويؤمن بالله وحده ، ويستمدّ في مسيرته في الحياة من الله وحده ، فقد أفلح ونجا وأسعدته الحياة ، وتتمثّل نجاته وفلاحه في استمساكه بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، فيظلّ آمنا مطمئنّا في طول مسيرته طول الحياة.
إنّ الإيمان بالله عروة وثيقة لا تنفصم أبدا ، إنّها متينة لا تنقطع ، ولا يضلّ الممسك بها طريق النجاة.
والإيمان في حقيقته اهتداء إلى الحقيقة الأولى الّتي تقوم بها سائر الحقائق في هذا الوجود. حقيقة الله ، واهتداء إلى حقيقة الناموس الّذي سنّه الله لهذا الوجود ، وقام به هذا الوجود. فالّذي يمسك بعروته يمضي على هدى من ربّه ، فلا يرتطم ولا يتخلّف ولا تتفرّق به السبل ولا يذهب به الشرور والضلال.
__________________
(١) ابن كثير ١ : ٣١٩.
(٢) الطبري ٣ : ٢٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٣٤.
(٣) ابن أبي حاتم : ٢ : ٤٩٤ ؛ البغوي ١ : ٣٥٠.
(٤) مجمع البيان ٢ : ١٦٣ ؛ التبيان ٢ : ٣١١ ؛ القرطبي ٣ : ٢٨٠.