قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)
ثمّ يعود السياق إلى بيان موضع الصدقة في واقعها ومدى تأثيرها في النفس وفي الحياة العامّة ، يذكر ذلك في مواقف.
والنفقة تشمل سائر ما يصرفه صاحب المال ، في مصالحه أو مصالح العامّة ، فمنها ما يتطوّع به ، ومنها ما يتعهّده على نفسه بنذر وشبهه ، فضلا عمّا يجب عليه في التكليف.
والنذر نوع من أنواع النفقة ، يوجبه المنفق على نفسه مقدّرا بقدر معلوم ، ولا يكون إلّا لله ولوجهه الكريم ، ولا ينعقد لغيره تعالى أيّا كان ، إلّا إذا أريد مصرفه ، بأن ينذر لله أن يطعم مسكينا أو يكسي عاريا ، أو ما يكون فيه الرفاه العام ، فلا يقصد بنذره سوى الله وابتغاء مرضاته ، وعن نيّة صادقة ، لا يعلمه إلّا الله.
وشعور المؤمن بأنّ عين الله ـ سبحانه ـ على نيّته وضميره ، وعلى حركته وعمله ، يثير في حسّه مشاعر حيّة متنوّعة ، شعور التقوى والتحرّج أن يهجس في خاطره هاجس رياء وسمعة أو تظاهر بكبرياء ، وهاجس شحّ أو بخل. وهاجس خوف من الفقر أو الغبن.
وهكذا يثير في خلده شعور الطمأنينة على الجزاء والثقة بالوفاء ، وشعور الرضى والراحة بما وفى لله وقام بشكر نعمته عليه بهذا الإنفاق ممّا أعطاه.
فأمّا الّذي لا يقوم بحقّ النعمة ولا يشكرها. والّذي لا يؤدّي الحقّ لله ولعباده ، والّذي يمنع الخير بعد ما أعطاه الله ، فهو ظالم : ظالم للعهد ، ظالم لنفسه ، ظالم للناس جميعا. (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).
فالوفاء عدل وقسط ، والجفاء ظلم وجور ، والناكث لعهد الله ظالم. ومن ثمّ فقد خرج عن حمى الله ودخل في حمى الشيطان. وقد كان كيد الشيطان ضعيفا.
إذن فالناكث لعهد الله افتقد الملجأ الوثيق وماله من أنصار.
***
وهنا بشأن الظالم ـ أيّا كان ظلمه ـ أحاديث قد تسترعى الانتباه والتوجّه لها :
[٢ / ٧٧٦٢] أخرج الطبراني عن ابن مسعود أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم ، وتستسقوا فلا تسقوا ، وتستنصروا فلا تنصروا» (١).
__________________
(١) الدرّ ٢ : ٧٥ ؛ مجمع الزوائد ٥ : ٢٣٥ ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط.