قال : أفهل كان السيف يعمل عمله في إكراه الناس على الإسلام في مكّة ، أيّام كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي مستخفيا ، وأيّام كان المشركون يفتنون المسلم بأنواع من العذاب ، ولا يجدون رادعا ، حتّى اضطرّ النبيّ وأصحابه إلى الهجرة؟ أم يقولون : إنّ ذلك الإكراه وقع في المدينة ، بعد أن اعتزّ الإسلام ، وهذه الآية قد نزلت في غرّة هذا الاعتزاز ؛ فإنّ غزوة بني النضير كانت في ربيع الأوّل من السنة الرابعة.
وقال البخاري : إنّها كانت قبل غزوة أحد ، الّتي لا خلاف في أنّها كانت في شوّال سنة ثلاث ، وكان كفّار مكّة لا يزالون يقصدون المسلمين بالحرب ، نقض بنو النضير عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فكادوا له وهمّوا باغتياله مرّتين ، وهم بجواره في ضواحي المدينة ، فلم يكن له بدّ من إجلائهم عن المدينة ، فحاصرهم حتّى أجلاهم ، فخرجوا مغلوبين على أمرهم ، ولم يأذن لمن استأذنه من أصحابه بإكراه أولادهم المتهوّدين على الإسلام ومنعهم من الخروج مع اليهود. فذلك أوّل يوم خطر فيه على بال بعض المسلمين الإكراه على الإسلام. وهو اليوم الّذي نزل فيه : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)(١).
المعاهدة مع الكفّار
شاع القول بأنّ غير الكتابي من سائر الكفّار ، يجب قتالهم حتّى يسلموا ، ولا تقبل منهم ذمّة ، قالوا : وتجب البدأة بقتالهم ولا أقلّ في كلّ عام مرّة. سواء تحرّشوا للمسلمين أم لم يتحرّشوا.
قال ابن حزم : لقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ). (٢) فعمّ ـ عزوجل ـ كلّ مشرك بالقتل إلّا أن يسلموا ... (٣).
وقال المحقّق ـ صاحب الشرائع ـ : «من يجب جهاده ثلاثة أصناف : البغاة حتّى يرجعوا. وأهل الذمّة ـ وهم أهل الكتاب : اليهود والنصارى والمجوس ـ إذا أخلّوا بشرائط الذمّة. ومن عدا هؤلاء من أصناف الكفّار ، حتّى يكفّوا ـ إن كانوا تعرّضوا للفساد في الأرض ـ أو يسلموا» (٤).
وعدّه صاحب الجواهر من القطعيّات. قال : «لا إشكال في أصل الحكم ، بعد الأمر به والحثّ
__________________
(١) المنار ٣ : ٣٦ ـ ٣٧.
(٢) التوبة ٩ : ٥.
(٣) المحلّى ٧ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ م : ٩٢٨.
(٤) كتاب الشرائع ١ : ٣١٠. بتصرّف.