هل يحاسب العباد على النيّات؟
هناك فرق بين المحاسبة والمؤاخذة ، حيث محاسبة الشيء تقييمه واعتباره على موازين العقل والحكمة الرشيدة ، أمّا المؤاخذة فهي المسائلة على موافاة العهد لغرض المجازاة عليها ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.
ومن ثمّ فالمحاسبة على النيّات أمر معقول ، ولا سيّما في ذلك اليوم الّذي تبلى فيه السرائر ، فيحاسب الناس على نيّاتهم ، إن طيّبا فمع الطيّبين وإن خبيثا فمع الخبيثين. وليست الأعمال بذواتها معيارا لمعرفة الشخص ، لو لا كشفها عن شاكلة نفسه.
وبذلك يعرف معنى قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ، إن أريد منها المحاسبة على النيّات محضا ، دون المؤاخذة لموافاة الثواب أو العقاب ، الأمر الّذي لا يتنافى مع ما ورد من أنّ المؤاخذة على الأعمال إنّما هي بحسب النيّات أي ليست المؤاخذة على نفس العمل بالنظر إلى كمّيّته ، ولكن بالنظر إلى كيفيّته الّتي تتحدّد حسب النيّات. فالمؤاخذة إنّما هي على العمل ، أمّا النيّة فهي المحدّدة لأبعاد العمل والجزاء على هذه الأبعاد.
[٢ / ٨٢٢٣] أخرج ابن جرير من طريق الضحّاك عن ابن عبّاس في الآية قال : إنّ الله يقول يوم القيامة : إنّ كتّابي لم يكتبوا من أعمالكم إلّا ما ظهر منها ، فأمّا ما أسررتم في أنفسكم ، فأنا أحاسبكم به اليوم ، فأغفر لمن شئت وأعذّب لمن شئت! (١)
[٢ / ٨٢٢٤] وأخرج ابن جرير عن الضحّاك قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) قال : كان ابن عبّاس يقول : إذا دعي الناس للحساب ، أخبرهم الله بما كانوا يسرّون في أنفسهم ممّا لم يعملوه ، فيقول : إنّه كان لا يعزب عنّي شيء ، وإنّي مخبركم بما كنتم تسرّون من السوء ، ولم تكن حفظتكم عليكم مطّلعين عليه. قال : فهذه المحاسبة (٢).
[٢ / ٨٢٢٥] وفيما رواه الصدوق من وصيّة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لابنه محمّد بن الحنفيّة :
__________________
(١) الدرّ ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ ؛ الطبري ٣ : ٢٠٠ / ٥٠٨٥ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠٠ ؛ القرطبي ٣ : ٤٢٢.
(٢) الطبري ٣ : ٢٠٠ / ٥٠٨٧.