التجربة الأولى
والآية الأولى تحكي حوارا بين إبراهيم عليهالسلام وملك في أيّامه يجادله في الله. قيل : هو نمروذ بن كوش من ولد حام بن نوح ، وكان ملكا جبّارا وهو الّذي بنى بابل بأرض شنعار. وكان إبراهيم بن تارح من ولد سام بن نوح. ولد إبراهيم بأرض «أور كلدان ـ شوش» وهاجر مع أبيه إلى أرض «حرّان» بلاد شنعار (العراق) (١). فلعلّ نمروذ هذا هو الّذي جادل إبراهيم في ربّه (٢) ، والقرآن لا يذكر اسمه ، لأنّ ذكر اسمه لا يزيد من العبرة الّتي تمثّلها الآية شيئا.
وهذا الحوار يعرض على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الجماعة المسلمة في أسلوب التعجيب من هذا المجادل ، وكأنّما مشهد الحوار يعاد عرضه من ثنايا التعبير القرآني العجيب : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ).
ألم تر؟ إنّه تعبير التشنيع والتفظيع ، وإنّ الإنكار والاستنكار لينطلقان من بنائه اللفظي وبنائه المعنوي سواء ، فالفعلة منكرة حقّا : أن يأتي الحجاج والمكابرة بسبب نعمة الملك ، الّتي أنعمها الله عليه بالذات ، وأن يدّعي عبد لنفسه ما هو من اختصاص الربّ المتعال ، وأن يستقلّ حاكم بحكمه الناس بهواه دون أن يستمدّ قانونه من الله!!
إنّ هذا الملك لم يكن منكرا لوجود الله ولا كونه خالق الكون وبارئه ، إنّما أنكر وحدانيّته تعالى في الربوبيّة والتصريف في شؤون الحياة.
ومن ثمّ ناقضه إبراهيم بقضيّة الموت والحياة : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).
والإحياء والإماتة هما الظاهرتان المكرورتان في كلّ لحظة ، المعروضتان لحسّ الإنسان وعقله. وهما ـ في الوقت نفسه ـ السرّ الّذي يحير ، والّذي يلجئ الإدراك البشري إلجاء إلى مصدر آخر غير بشري. ولا بدّ من الالتجاء إلى الألوهيّة القاهرة ، القادرة على الإنشاء والإفناء ، لحلّ هذا اللغز الّذي يعجز عنه كلّ الأحياء.
إنّنا لا نعرف شيئا عن حقيقة الحياة وحقيقة الموت ، حتّى اللحظة الحاضرة ، ولكنّنا ندرك
__________________
(١) راجع : سفر التكوين ـ الأصحاح ١٠ ـ ١١.
(٢) حسبما جاء في الروايات الإسلاميّة.