قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما)
وقد جاء التعبير في هذه الصورة الحسّيّة في موضع التجريد المطلق ، على طريقة القرآن في التعبير التصويري ، الّذي يمنح الحقيقة المراد تمثيلها ، للقلب قوّة وعمقا وثباتا. فالكرسيّ يستخدم عادة في معنى الملك ، فإذا وسع كرسيّه السماوات والأرض فقد وسعهما سلطانه. وهذه هي الحقيقة من الناحية الذهنيّة. ولكنّ الصورة الّتي ترتسم في الحسّ من التعبير بالمحسوس ، أثبت وأمكن.
وكذلك التعبير بقوله : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) فهو كناية على دوام سلطانه وتداوم تدبيره لشؤون هذا العالم الفسيح الواسع الأرجاء. من غير قصور ولا فتور.
قال أبو إسحاق الثعلبي : أي لا يثقله ولا يجهده ولا يشقّ عليه (١).
ومن ثمّ : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). وهذه خاتمة الصفات بل وفذلكة الكلام عن سمات الربوبيّة الشاملة القاهرة. فالله تعالى ، بسماته العليا ، عليّ عن نقص الأوصاف ، وعظيم شأنه فوق كلّ عظيم.
[٢ / ٧٤٣٦] أخرج الطبراني ـ في السنّة ـ عن ابن عبّاس ، قال : «يريد : لا أعلى منه ولا أعظم ولا أعزّ ولا أجلّ ولا أكرم» (٢).
وإليك ما ورد في قوله تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ ...).
[٢ / ٧٤٣٧] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله : (الْحَيُ) قال : حيّ لا يموت. (الْقَيُّومُ) قيّم على كلّ شيء ، يكلؤه ويرزقه ويحفظه (٣).
[٢ / ٧٤٣٨] وروى أبو جعفر الصدوق بإسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث يذكر فيه صفة الربّ ـ عزوجل ـ وفيه : «لم يزل حيّا بلا حياة ، كان حيّا بلا حياة عارية» (٤).
__________________
(١) الثعلبي ٢ : ٢٣٣.
(٢) الدرّ ٢ : ٩ ـ ١٠.
(٣) الدرّ ٢ : ١٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٦ / ٢٥٧١ و ٢٥٧٢ ، وزاد بعد قوله «لا يموت» : وروي عن قتادة نحو ذلك ، وزاد أيضا بعد قوله «ويحفظه» : وروي عن مجاهد وقتادة نحو ذلك ؛ الطبري ٣ : ٩ و ٢٢٢ / ٤٤٩٦ و ٤٤٩٨ ، وفيه : «قيّم كلّ شيء» بدل «قيّم على كلّ شيء» ؛ الثعلبي ٢ : ٢٣٠ ، بلفظ : الربيع : القيّم على كلّ شيء يحفظه ويرزقه ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٤.
(٤) نور الثقلين ١ : ٢٥٨ ؛ التوحيد : ١٧٣ ـ ١٧٤ / ٢ ، باب ٢٨ ؛ الكافي ١ : ٨٩ / ٣ ؛ البحار ٤ : ٢٩٩ / ٢٨ ، باب ٤ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٨.