تفسيرها
وأمّا تفسيرها فلنعلم أنّ هذه الآية جاءت بعد ذكر الرسل وتفاضلهم في مواقفهم تجاه أممهم ، وأنّهم جميعا كانوا على خطّ واحد ومنهج واحد ، غير أنّ الاختلاف جاء من قبل تصادم آراء وتضارب أهواء ، أثيرت من بعد الرسل ، ومن ثمّ ناسب الكلام عن تلك الوحدة الإيمانيّة والوحدة السلوكيّة ، اللّتين جاء بهما الرسل ، والآية تقرّر التصوّر الإيماني الموحّد ، عن الله وعن صفاته الجمال والكمال ، والّتي تتبيّن منها معنى الوحدانيّة النزيهة ، في أدقّ مجالاته وأوضح سماته. والآية ـ في هذا المجال ـ جليلة وعميقة وصريحة البيان :
قال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
كلّ صفة من هذه الصفات الّتي تضمّنتها الآية ، تمثّل قاعدة يقوم عليها التصوّر الإسلامي المتين ، كما يقوم عليها المنهج الإسلامي القويم.
قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ...)
(اللهُ) اسم خاصّ ، علم للباري تعالى ، تعرفه جميع الأمم والأجيال بهذا الاسم في مختلف تعابيرهم ، يعرفونه الخالق الباري المتعالي (١). لكنّها معرفة إجماليّة ، وربّما غير منزّهة.
فليعلموا الآن ـ وبفضل تعاليم الإسلام ـ أنّه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وحدانيّة حاسمة لا مجال فيها لأيّ انحراف أو لبس ، ممّا طرأ على الديانات السابقة ـ بعد الرسل ـ كعقيدة التثليث المبتدعة في المجامع الكنسيّة بعد عيسى عليهالسلام ولا لأيّ غبش ممّا كان يرين على العقائد الوثنيّة ، الّتي تميل إلى التوحيد ، ولكنّها تلبسه بالأساطير ، وكعقيدة قدماء المصريّين ـ في وقت من الأوقات ـ بوحدانيّة الله ، ثمّ تلبيس هذه الوحدانيّة بتمثّل الإله في قرص الشمس ، ووجود إله صغير خاضعة للإله الكبير!
__________________
(١) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ. (العنكبوت ٢٩ : ٦١). وآيات أمثالها كثيرة.