قال تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥))
استئناف ابتدائي للتحريض على الجهاد والتذكير بأنّ الحذر لا يؤخّر الأجل ، وأنّ الجبان قد يلقى حتفه في مظنّة النجاة.
وهذه الآية تمهيد للدستور الوارد في قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ...) ، ورجوع إلى قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)(١).
وعليه فموقع قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ...) ، قبل قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) موقع ذكر الدليل ، وإن
شئت قلت : موقع تمهيد الأرضيّة لبيان المقصود الأصل ، وهذا من أحسن طرق الخطابة : أن تمهّد الأرضيّة قبل الورود في صلب الموضوع ، ويكون من قبيل ذكر الدليل قبل بيان المطلوب.
قوله : (أَلَمْ تَرَ ...) استفهام تقريريّ فيما لا مجال لإنكاره ، ليكون دليلا محرّضا على ما ينبغي الاهتمام به من مقصود الخطاب.
ويبدو من تعبير الآية أنّ هؤلاء الّذين خرجوا من ديارهم ، حذر الموت ـ وهو الطاعون ـ كما في أكثر الروايات كانوا معروفين عند العرب المخاطبين بهذا الكلام.
[٢ / ٧٢٣٧] وفي حديث الإمام أبي جعفر الباقر عليهالسلام : أنّهم كانوا أهل مدينة عامرة من مدائن الشام ، وكانوا ألوفا ، وكان الطاعون يقع فيهم بين آونة وأخرى ، فخرجوا منها جميعا هربا من الموت الّذي
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢١٦.