وآيات الله الّتي بيّنها في العشرة والفراق ، لائحة مستقيمة جادّة ، تهدف إلى تنظيم هذه الحياة وإقامتها على الجدّ والصدق ، فإذا هو استغلّها بصدد إلحاق الأذى بالمرأة والإضرار بها ، متلاعبا بالرخص الّتي جعلها الله منتفسا وصمام أمن ، واستخدم حقّ الرجعة الّذي جعله الله فرصة لاستعادة الحياة الزوجيّة وإصلاحها ، وها هو استخدمها في إمساك المرأة لايذائها وإشقائها ، وإذا فعل شيئا من ذلك فقد اتّخذ آيات الله هزوا وذلك كالّذي نراه اليوم في مجتمعنا من يدّعي الإسلام ، ويستخدم الرخص الفقهيّة وسيلة للتحايل والإيذاء والإفساد.
قال تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) فإنّها جادّة واضحة المفاد لا تحتمل التباسا ولا تقبل مداهنة أو مداعبة ، وهذا تهديد بالمستخفّ بالدين ، عقّبه بتذكير نعم الله على عباده في هديهم إلى سبل الرشاد في الحياة : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ) هي شرائع الله (وَالْحِكْمَةِ) هي بصائر في الدين (يَعِظُكُمْ بِهِ) ويرشدكم إلى الصراط المستقيم.
وعليه (وَاتَّقُوا اللهَ) حافظوا على أنفسكم في رعاية الله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) من خبايا أسراركم ومن مصالحكم عمّا يفسد عليكم الحياة.
وهنا ستجيش شعور الخوف والحذر ، بعد شعور الحياء والشكر لنعم الله ، ليرعووا وينصاعوا لصراحة الحقّ اليقين.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً)
[٢ / ٦٧٩٢] أخرج عبد الرزّاق عن أبي ذرّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من طلّق وهو لاعب فطلاقه جائز ، ومن أعتق وهو لاعب فعتاقه جائز ، ومن أنكح وهو لاعب فنكاحه جائز» (١).
[٢ / ٦٧٩٣] وأخرج أبو داوود والترمذي وحسّنه وابن ماجة والحاكم وصحّحه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ : النكاح والطلاق والرجعة» (٢).
__________________
(١) الدرّ ١ : ٦٨٤ ؛ المصنّف ٦ : ١٣٤ ـ ١٣٥ / ١٠٢٤٩.
(٢) الدرّ ١ : ٦٨٣ ـ ٦٨٤ ؛ أبو داوود ١ : ٤٨٨ / ٢١٩٤ ، باب ٩ ؛ الترمذي ٢ : ٣٢٨ / ١١٩٥ ، باب ٩ ، قال الترمذي : «هذا ـ حديث حسن غريب» ؛ ابن ماجة ١ : ٦٥٨ / ٢٠٣٩ ، باب ١٣ ؛ الحاكم ٢ : ١٩٨ ، كتاب الطلاق ؛ البيهقي ٧ : ٣٤١ ؛ كنز العمّال ٩ : ٦٤٣ / ٢٧٧٨٥ ؛ القرطبي ٣ : ١٥٧ و ٨ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، ذيل الآية ٦٥ من سورة التوبة ؛ البغوي ١ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٢٦٧ ؛ ابن كثير ١ : ٢٨٩.