يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال : ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟ قلت : لا ، قال : «إنّ العبد إذا همّ بحسنة خرج نفسه طيّب الريح ، فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم (١) فإنّه قد همّ بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، فأثبتها له وإذا همّ بالسيّئة خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين : قف (٢) فإنّه قد همّ بالسيّئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، فأثبتها عليه» (٣).
اعتراض وجواب
ولعلّ معترضا يقول : لو جعلنا من النيّة هي الأساس ، وأنّها هي الّتي تشكّل حقيقة العمل ، ويكون بها الثواب والعقاب ، لكان ذلك متنافيا مع ما ورد مستفيضا بأنّ الهمّ على العمل لا يؤاخذ عليه.
وأيضا فمن المتسالم عليه ، أنّ المثوبات والعقوبات إنّما هي على الأعمال ، ولا طاعة ولا معصية إلّا بالعمل.
كما يتنافى مع ما ورد من أنّ أفضل الأعمال أحمزها أي أشقّها وأصعبها مؤونة. ولا شكّ أنّ العمل أشقّ من النيّة ، فكيف تكون النيّة أبلغ من العمل ، وأنّ نيّة المؤمن خير من عمله ، ونيّة الفاجر شرّ من عمله؟!
وقد ذكروا للإجابة على هذا السؤال وجوها :
قال أبو حامد الغزالي ـ في بيان السرّ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «نيّة المؤمن خير من عمله» ـ :
إعلم أنّه قد يظنّ أنّ سبب هذا الترجيح أنّ النيّة سرّ لا يطّلع عليه إلّا الله تعالى ، والعمل ظاهر. ولعمل السرّ فضل ، وهذا صحيح ، ولكن ليس هو المراد ؛ لأنّه لو نوى أن يذكر الله بقلبه أو يتفكّر في مصالح المسلمين ، فيقتضي عموم الحديث أن تكون نيّة التفكّر خيرا من التفكّر.
وقد يظنّ أنّ سبب الترجيح أنّ النيّة تدوم إلى آخر العمل ، والأعمال لا تدوم. وهو ضعيف ، لأنّ ذلك يرجع معناه إلى أنّ العمل الكثير خير من القليل ، بل ليس كذلك ، فإنّ نيّة أعمال الصلاة قد لا
__________________
(١) أي ليس هنا شأنك.
(٢) أي توقّف ولا تكتب عليه حتّى يتبيّن أنّه يعمل بها أو لا يعمل.
(٣) الكافي ٢ : ٤٢٩ / ٣.