وهذه الوحدانيّة الحاسمة الناصعة هي القاعدة الّتي يقوم عليها التصوّر الإسلامي ، والّتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلّها. فعن هذا التصوّر ينشأ الاتّجاه إلى الله وحده بالعبوديّة والعبادة ، فلا يكون إنسان عبدا إلّا لله. ولا يتّجه بالعبادة إلّا لله ، ولا يلتزم بطاعة إلّا طاعة الله ، وما يأمره الله به من الطاعات.
وعن هذا التصوّر تنشأ قاعدة : الحاكميّة لله وحده ، فيكون الله وحده هو المشرّع للعباد ، ويجيء تشريع البشر مستمدّا من شريعة الله.
وعن هذا التصوّر تنشأ قاعدة استمداد القيم كلّها من الله ، فلا اعتبار لقيمة من قيم الحياة. وهكذا إلى آخر ما ينبثق عن معنى الوحدانيّة ، من مشاعر في الضمير أو مناهج لحياة الناس في الأرض على السواء.
قوله تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
والحياة الّتي يوصف بها الإله الواحد ، هي الحياة الذاتيّة الّتي لم تأت من مصدر آخر كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق العظيم. ومن ثمّ يتفرّد الله ـ سبحانه ـ بالحياة على هذا المعنى. كما أنّها الحياة الأزليّة الأبديّة الّتي لا تبدأ من مبدأ ولا تنتهي إلى نهاية ، فهي متجرّدة عن معنى الزمان المصاحب لحياة الخلائق المكتسبة المحدّدة البدء والنهاية. ومن ثمّ يتفرّد الله ـ سبحانه ـ كذلك بالحياة على هذا المعنى.
ثمّ إنّها هي الحياة المطلقة من الخصائص الّتي اعتاد الناس أن يعرفوا بها الحياة. فالله ـ سبحانه ـ ليس كمثله شيء. ومن ثمّ يرتفع كلّ شبه من الخصائص الّتي تتميّز بها حياة الأشياء ، وتثبت لله صفة الحياة مطلقة من كلّ خصيصة تحدّد معنى الحياة في مفهوم البشر ، وتنتفي بهذا جميع المفهومات الأسطوريّة الّتي جالت في خيال البشر.
أمّا صفة (الْقَيُّومُ) فتعني قيامه ـ سبحانه ـ على كلّ موجود ، كما تعني قيام كلّ موجود به فلا قيام لشيء إلّا مرتكنا إلى وجوده ـ تعالى ـ وتدبيره وعن إرادته بالذات في كلّ آن من الآنات ، ومن ثمّ يظلّ ضمير المسلم وحياته ووجوده وتصرّفاته ، بل وكلّ شيء من حوله ، مرتبطا بالله الواحد ، ارتباطا ذاتيّا على دوام ، وأنّه ـ تعالى ـ هو الّذي أمره وأمر كلّ شيء حوله ، وفق حكمة وتدبير