وهذا الموت أو الضرب على الآذان هو المراد بالشقّ الثاني من قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)(١). والبعث هو الإرسال. فإذا كان هذا النوع من الموت يكون بتوفّي النفس أي قبضها ، فزواله إنّما يكون بإرسالها وبعثها.
قال : وقد ثبت في هذا الزمان أنّ من الناس من تحفّظ حياته زمنا طويلا يكون فيه فاقد الحسّ والشعور ، ويعبّرون عن ذلك بالسّبات وهو النوم المستغرق ، الّذي سمّاه الله وفاة. وقد كتب إلى مجلّة المقتطف سائل يقول : إنّه قرأ في بعض التقاويم أنّ امرأة نامت (٥٥٠٠) يوم أي بلياليها ، من غير أن تستيقظ ساعة مّا في خلال هذه المدّة ، وسأل هل هذا صحيح؟ فأجابه أصحاب المجلّة بأنّهم شاهدوا شابّا نام نحو شهر من الزمان ، ثمّ أصيب بدخل في عقله. وقرأوا عن أناس ناموا نوما طويلا أكثر من أربعة أشهر ونصف ، واستبعدوا أن ينام إنسان مدّة (٥٥٠٠) يوم أي أكثر من (١٥) سنة نوما متواليا. وقالوا : إنّهم لا يكادون يصدّقون ذلك!
نعم ، إنّ الأمر غير مألوف ، ولكن القادر على حفظ الإنسان أربعة أشهر ونصف و (١٥) سنة ، قادر على حفظه مئة سنة ، غير محال في نظر العقل.
قال : ولا يشترط عندنا في التسليم بما تواتر به النصّ من آيات الله تعالى وأخذها على ظاهرها إلّا أن تكون من الممكنات دون المستحيلات. وإنّما ذكرنا ما وصل إليه علم بعض الناس من هذا السّبات الطويل الّذي لم يعهده أكثرهم ، لأجل تقريب إمكان هذه الآية من أذهان الّذين يعسر عليهم التمييز بين ما يستبعد ، لأنّه غير مألوف. وما هو محال لا يقبل الثبوت لذاته (٢)!
***
وهناك من أبهم في الأمر إبهاما ، ولم يزد على أنّه كان رجلا من بني إسرائيل.
[٢ / ٧٥٤٨] أخرج ابن جرير عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : كان هذا رجلا من بني إسرائيل ، نفخ الروح في عينيه (٣) ، فنظر إلى خلقه كلّه حين يحييه الله ، وإلى حماره حين يحييه الله (٤).
__________________
(١) العنكبوت ٢٩ : ٤٢.
(٢) تفسير المنار ٣ : ٤٩ ـ ٥٠.
(٣) حسبما ورد في بعض الروايات : أوّل ما خلق منه عيناه. (ابن أبي حاتم ٢ : ٥٠٢ / ٢٦٥٤) وسيأتي.
(٤) الطبري ٣ : ٥٧ ـ ٥٨ / ٤٦٣٧ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٢ ، بلفظ : «قال مجاهد بن جبر : هو رجل من بني إسرائيل» ؛ القرطبي ٣ : ٢٨٩ ، بلفظ : «حكى النحّاس ومكّي عن مجاهد أنّه رجل من بني إسرائيل غير مسمّى!».