لا يزال يتعامل مع ذوي العقول من الأمّة في تبادل أفكارهم سعيا وراء رضى القوم والتشاور معهم في مهامّ الأمور.
وقوّاد بني إسرائيل وكبراؤهم لم يتفطّنوا لهذه الحكمة ، لقصر أنظارهم ، وإنّما نظروا إلى قلّة جدته ، فتوهّموا ذلك مانعا من تمليكه عليهم ، ولم يعلموا أنّ الاعتبار بالخلال النفسانيّة وأنّ الغنى غنى النفس لا وفرة المال ، وماذا تجدي وفرة المال إذا لم ينفقه في مصالح الخير. قال أبو الطيّب :
الرأي قبل شجاعة الشّجعان |
|
هو أوّل وهي المحلّ الثاني (١) |
قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ)
جاء في الأصحاح الرابع من سفر صموئيل الأوّل : أنّه لمّا انكسرت إسرائيل أمام الفلسطينيّين ، اجتمع شيوخ إسرائيل ليعرفوا السبب في انكسارهم ، فكانوا ممّا عزموا عليه أن يصطحبوا التابوت في حروبهم ، وفي ذلك يكون الظفر معهم ببركة التابوت.
وهذا التابوت ـ ويقال له : تابوت العهد ـ صندوق خشبي في طول ثلاثة أقدام وعرض قدمين وارتفاع كذلك. كانوا ـ منذ عهد موسى عليهالسلام ـ قد أودعوا فيه آثار موسى وهارون ولوحين مكتوبا عليهما الأحكام العشرة ، كانوا يتبرّكون به ، ويقدّموه أمام رحلاتهم وكذا في حروبهم ، استنصارا به.
وكان مقرّ هذا التابوت ذلك العهد مدينة «شيلوة» (٢) فأرسلوا من يأتي به ، فأتوا به في مصاحبة ابني عالي ـ من أحفاد هارون ـ هما : حفني وفينحاس. فاحتفلوا به وضجّت إسرائيل ضجّة واحدة فرحا بنصر متوقّع ، لكنّ القدر عاكسهم ، وشدّ عليهم الفلسطينيّون شدّة عزم واحد ، فكسروهم كسرة فاضحة ، وسقط من إسرائيل في ذلك اليوم ثلاثون ألف راجل ، وأخذ التابوت وهلك ابنا عالي : حفني وفينحاس.
فأخذ الفلسطينيون التابوت وأتوا به إلى مدينتهم «أشدود» وأدخلوه إلى «بيت داجون» وأقاموه بالقرب منه.
__________________
(١) التحرير والتنوير ٢ : ٤٦٧ ـ ٤٦٨.
(٢) في شماليّ بيت إيل.