قال الأستاذ محمّد عبده : اختلفوا في المراد بقوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) ، فقيل : معناه : انظر كيف مات وتفرّقت أو تفتّتت عظامه ، فلو لا طول المدّة لم يكن كذلك. وقيل : معناه : انظر كيف بقي حيّا طول هذه المدّة ، على عدم وجود من يعتني بشأنه (١).
وقال سيّدنا العلّامة الطباطبائي : أنّ الرجل لمّا حسب أنّه لبث يوما أو بعض يوم ، نبّهه تعالى : أنّه لبث مئة عام ، ودليلا على هذا اللبث الطويل ، قال : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ، وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) حيث النظر إلى كلا الأمرين ـ وكان صاحبهما جميعا ـ ليشرف به إلى إمكان البقاء سليما طول المدّة. فدليلا على طول المدّة ، هو النظر إلى الحمار وقد تبدّدت أوصاله. ودليلا على إمكان سلامة البقاء ، هو النظر إلى طعامه وشرابه ، بقيا سليمين طول المدّة. وما هذا إلّا خرق للمألوف من العادة لا يقدر عليه سوى البارىء المتعال (٢).
غرائب آثار
هناك آثار نقلتها الأحاديث بشأن الّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، تبدو غريبة ، ولعلّها من صنع القصّاصين ، نذكر منها :
[٢ / ٧٥٦٥] ما أخرجه ابن جرير عن ابن إسحاق عمّن لا يتّهم عن وهب بن منبّه اليماني ، أنّه كان يقول : قال الله لإرميا ، حين بعثه نبيّا إلى بني إسرائيل : يا إرميا ، من قبل أن أخلقك اخترتك ، ومن قبل أن أصوّرك في رحم أمّك قدّستك ، ومن قبل أن أخرجك من بطنها طهّرتك ، ومن قبل أن تبلغ السعي نبّأتك ، ومن قبل أن تبلغ الأشدّ اخترتك ، ولأمر عظيم اجتبيتك. فبعث الله إرميا إلى ملك بني إسرائيل يسدّده ويرشده ، ويأتيه بالخبر من الله فيما بينه وبينه. قال : ثمّ عظمت الأحداث في بني إسرائيل ، وركبوا المعاصي واستحلّوا المحارم ونسوا ما كان الله صنع بهم ، وما نجّاهم من عدوّهم سنحاريب. فأوحى الله إلى إرميا أن ائت قومك من بني إسرائيل ، فاقصص عليهم ما آمرك به ، وذكّرهم نعمتي عليهم وعرّفهم أحداثهم. ثمّ ذكر ما أرسل الله به إرميا إلى قومه من بني إسرائيل ، قال : ثمّ أوحى الله إلى إرميا إنّي مهلك بني إسرائيل بيافث ، ويافث أهل بابل! وهم من ولد يافث بن
__________________
(١) تفسير المنار ٣ : ٥٠.
(٢) الميزان ٢ : ٣٨٥. بتوضيح واختزال.