حتّى أستأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّكما لستما على ديني ، فاستأمرته في ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد نزول هذه الآية أن تتصدّق عليهما فأعطتهما ووصلتهما (١).
[٢ / ٧٧٩٥] وقال مقاتل بن سليمان : نزلت في أسماء بنت أبي بكر سألت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن صلة جدّها أبي قحافة وعن صلة امرأته وهما كافران ، فكأنّه شقّ عليه صلتهما ، فنزلت : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ...) يعني أبا قحافة (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلى دينه الإسلام (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) يعني المال (فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) يعني المال (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) يعني توفّر لكم أعمالكم (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) فيها (٢).
قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)
ثمّ يخصّ بالذكر مصرفا من مصارف الصدقة ، ولعلّه الأهمّ يومذاك ، وكذا في تصاريف الزمان ، (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
نعم كانت الصدقة والإنفاق في سبيل الله (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وهم يومذاك جماعة من المهاجرين تركوا ورائهم أموالهم وأهليهم وحصرهم الفقر والإعواز. (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) كسبا أو تجارة. حيث إعوازهم رأس المال ، بعد هجرتهم في سبيل الله. (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) والإلحاف في السؤال الإلحاح المزعج ، فهم لتعفّفهم لا يسألون الناس إلّا أحرج بهم الموقف ، وكان سؤالهم حينذاك سؤالا بلطف ومن غير إحراج.
ومن ثمّ ومن جهة تعفّفهم عن كثرة المسألة ، يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء ، فلا يعرفون في ظاهر حالهم الوقور ، وإنّما تعرفهم ـ أنت يا رسول الله ومن على شاكلتك ـ بسيماهم الكئود.
__________________
(١) الثعلبي ٢ : ٢٧٤ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٩٩ ، بخلاف في اللفظ ، وفيه : «فاستأذنته في ذلك» بدل قوله : «فاستأمرته في ذلك» ؛ أبو الفتوح ٤ : ٨١ ؛ الوسيط ١ : ٣٨٧ ، نسبه إلى المفسّرين ؛ القرطبي ٣ : ٣٣٧.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ٢٢٤.