مثوبتها المضاعفة ، وأمّا السيّئة فحيث كانت تقابل بالجزاء بمثلها فكانت خطيرة الحصول وبحاجة إلى اعتمال ومزيد عناء.
وذكر أبو القاسم الحسين بن محمّد (الراغب الأصبهاني ت : ٥٠٢) في المفردات :
وقوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) فقد قيل : خصّ الكسب ها هنا بالصالح ، والاكتساب بالسيّء ، وقيل عني بالكسب ما يتحرّاه من المكاسب الأخرويّة ، وبالاكتساب ما يتحرّاه من المكاسب الدنيويّة ، وقيل عني بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز وبالاكتساب ما يحصّله لنفسه من نفع يجوز تناوله ، فنبّه على أنّ ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصّله إليه فله الثواب وأنّ ما يحصّله لنفسه وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه فقلّما ينفكّ من أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل : «من أراد الدنيا فليوطّن نفسه على المصائب» (١).
وقال جار الله الزمخشري (ت : ٥٢٨) : في الاكتساب اعتمال ، فلمّا كان الشرّ ممّا تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمّارة به ، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه ، ولمّا لم تكن كذلك في باب الخير ، وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال (٢).
وللمتأخّرين رأي أسدّ في تأويل الآية ، قالوا : إنّ هذا الافتراق يعود إلى طبيعة كلّ من الخير والشرّ ، وموضعهما من فطرة الإنسان المجبولة على حبّ الخير وكراهة الشرّ ، ومن ثمّ كان في تحصيل الخير أميل وفي السعي وراء كسبه أرغب وأنشط ، فلا يثقل عليه ما يبذله من الوسع في طريق الوصول إليه.
أمّا الشرّ ، فحيث كان مستكرها ومرفوضا ذاتا ، كان السعي وراء كسبه أشقّ وأثقل ، لأنّها حركة في اتّجاه ينافر الفطرة وتمجّه النفس في قرارة ذاته.
الفطرة مجبولة على الخير ، والشرّ عارض
اختلف أهل النظر في أنّ الإنسان هل هو خيّر بالطبع أم شرّير بالطبع ، وإلى أيّ الأمرين يكون أميل بفطرته ، مع صرف النظر عمّا يتّفق له في تربيته؟
__________________
(١) المفردات : ٤٣١.
(٢) الكشّاف ١ : ٣٣٢.